د. خالد غانم يكتب: المودة الزوجية
العلاقة بين الزوج وزوجته شركة حياة، تبدأ بكلمة تفيد القبول، وبعقد واتفاق سماه القرآن الكريم بالميثاق الغليظ، وتنتهي بكلمة – إذا استحالت العشرة بالمعروف – مفادها الطلاق، وبعدها ينبغي أن لا ينسى الزوج ما كان بينه وبين زوجته من جانب حسن أو فعل جميل وهي كذلك ، وهذا المعنى وصفه القرآن الكريم بأنه الفضل بينكم، ولهذا جاء هذا الوصف في سياق الحديث عن الطلاق تمهيدا للسلوك المؤمل رؤيته مستقبلا فقال:
(وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
فالحياة الزوجية قائمة على المودة والرحمة، وليست على العنف والقسوة، أما حالة من توتر العلاقات بين بعض الأزاوج، تسفر في بعض الأحداث بعظائم أمور يندى لها الجبين!!
إن أي توتر تقع مسئوليته على الزوجين، الذين تغافلا عن مهمتهما الإنسانية والزوجية، فالزوجة ينبغي أن تكون ريحانة وليست بكهرمانة ـ كما ورد في الآثار عن بعض السلف.
وحتى لا نري الألم هناك بواعث عديدة – لا بد أن ننتبه لها – تعكر صفو الحياة الزوجية، نذكر منها خمسة:
1- حالة من الضجر وضيق العيش عند البعض وعدم الصبر والتصبر من قبل الزوجين، فالحياة حينما توصف بالراضية المرضية، تغمرها السعادة، وحينما يعتريها السخط والضجر والقنوط يخالطها النكد وينتابها الملل، وفي هذه الحالة لا بد أن يرض الإنسان بما قسمه الله من رزق مادي ومن رزق معنوي ساقه الله للزوج والزوجة، حتى تصفو الحياة وتهدأ.
2- وجود أشخاص في حياة الزوج أو الزوجة ـ من الأهل أو الأصدقاء ـ هم بمثابة الناصح المخادع، والمتسلط بالرأي البائس، يظل يمخر هؤلاء في أدمغة الأزواج كيما ينصاع إلى الرأي المذاع، فيستقبل الزوجان هاك الكلام بآذان صاغية، وقلوب خاوية، وعقول كالة، فيروح كل واحد منهما إلى عراك وشجار، وأقوال يفوح منها ريح بالشر عاتية، وهنا ينبغي أن يحذر الزوجان من مقالة السوء، ومن مقارنات ليس لها مجال ولا مأرب إلا اهتزاز العرش، وزعزعة الفرش.
3- اختلاف الطبائع، نتيجة البيئة التي نشأ فيها الزوجان، أو الفوارق العلمية والتعليمة، أو الإطارات المادية والمكانية، والتي توضح حالة عدم الكفاءة، فلا هو كفء لها ولا هي كفء له، مما يسوء خلق أحدهما مع الآخر، ويعتدي أحدهما على الآخر، مع أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال: لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا رَضِيَ منها آخَرَ، أَوْ قالَ: غَيْرَهُ( أبو هريرة ـ صحيح مسلم).
4- المقاطع المرئية غير الهادفة والتي تسهم في إخراج الحياة الزوجية من لباس التقوى والمودة والرحمة، إلى لبوس العداء والكيد والتسلط والتربص، وبدلا من أن يأخذ المجتمع الجانب الحسن، أصبح البعص يقتبس الجانب السيء مما يشاهده ويتأثر به، مع أن الإنسان ميزان نفسه.
5- سيل الفتاوى التي نشاهدها في بعض البرامج والقنوات عبر شبكات التواصل الاجتماعي – من غير المتخصصين – والتي يميل فيها المسئول ـ في إجابته ـ إلى جانب دون آخر، ولم يوجه رسالة لكلا الطرفين، مما تكون الفتوى سبيلا لاستعلاء أحدهما على الآخر، والمرجو أن يعالج الذي يوضح القضية للمستفسر كل جوانب القضية وزواياها، وتكون من خلال المتخصصين ممن لهم دربة في هذا المجال وخبرة؛ لأن
كل هذا ينهش في عضد استقامة الحياة ويدحر المسئولية التضامنية، ويؤثر على المودة .
فباب الحياة الزوجية مفتاحه مع الزوج ـ حينما يكون قوَّامًا عائلا رحيمًا ـ وأسنان المفتاح مع الزوجة، وذلك حينما تكون الزوجة زهرة ومطواعة وهادئة، وحركة الحياة تزهر حينما تغذى بماء المسئولية التضامنية والمودة القلبية، والرحمة التفاعلية.










