د. أيمن الأعصر يكتب: الأدب القصصي وفن التهذيب في المجتمع الإفريقي

كان ولا يزال الأدب ينبض بنبض المواطن في المجتمع الإفريقي وذلك لأن الأدب مرآة تعكس ما في المجتمع من قضايا إيجابية او سلبية ، إيجابية من أجل التشجيع على دعمها للارتقاء بالمجتمع أو قضايا سلبية من أجل التحذير من سلبياتها على المجتمع ومن ثم فإن موضوع الإصلاح المجتمعي يعد من الموضوعات المهمة التي يهتم بها الأدباء من أجل مستقبل أفضل للمواطن والمجتمع ،فقد وجد الأدباء أنفسهم أمام مادة ثرية يجسدونها في أعمالهم الأدبية المختلفة سواء أكان ذلك في مجال المسرح أم الرواية أم القصة القصيرة أم غير ذلك من الأنماط الأدبية الأخري. وقد استطاع معظم كتَّاب القصة القصيرة السواحيلية في شرق إفريقيا أن يجسدونها فى قصصهم القصيرة كما هو الحال في ديوان (ماياي وزير المرض) فقضية الفساد الأسري والأخلاقى نجدها مجسدة في قصة ( اختيار القلب) وهي قصة” تدور أحداثها حول ظلم المجتمع للبنت وحرمانها من مواصلة تعليمها. وتزويجها مبكراً من أيّ شخص يملك المال بغض النظر عن سلوكه داخل المجتمع، هذا من جهة، ومن جهة أخري تلقي الأحداث بالضوء علي موضوع الإنتخابات البرلمانية ومايحدث فيها من زيف وخداع من بعض المرشحين ،والكاتبة استطاعت أن تجسد صورتين من صور الفساد ألا وهما : الفساد الأسريّ والفساد الأخلاقيّ.فالفساد الأسري واضح من إرغام الفتاة على الزواج دون رغبة منها وهذا مخالف للفكرة الإنسانية ،وبالتالي يصدق المثل السواحيلي القائل :”لقد حان يوم العراف” أي أنه جاء الوقت الذي يذوق فيه من نفس الكأس الذي شرب منه الناس بسبب خداعه لهم وهذه الصورة تعد إحدى صور الفساد ألا وهي صورة الخداع والنزيف .
و في قصة ( يتخذ خطوة أخرى ) للكاتب الكيني واميتيلا تدور أحداثها حول شخصية الزوج الذي يتخذ قرارات أحادية تتعلق بالأسرة دون المشورة مع زوجته وفي كل خطوة أو قرار يتخذه هذا الزوج فإنه يؤدي إلى كارثة في محيط الأسرة مما يتسبب في معاناة الأسرة كلها.
ونظراً لأنها قرارات سلبية فهي غالباً ماتكون هروباً من الواقع مما يترتب عليه الوقوع في مشكلة تلو أخري، وواقع آخر أمَّرْ من سابقة، كل ذلك بسبب غيرة هذا الزوج علي زوجته وعدم ثقته في نفسه وزوجته.
بالنظر إلي هذه القصة بإمعان للقرارات التي اتخذها الزوج مافيتو وزوجته سكينة نجد أنها قرارات وخطوات تتجه نحو الأسوأ، وذلك نتيجة للقرارات الخاطئة مما جعل الأحداث تسير من البداية بسبب قرارات الزوج الخاطئة وكذلك بسبب ضعف المرأة في اتخاذ القرار ، مما نتج عن ذلك التغيير من السئ إلي الأسوأ في العديد من الكوارث التي أحلت بالأسرة من فقر ثم خداع الجار الغني الذي سلب الأرض وشرف البنت. واختتمت الأحداث بموت زوجها وانتحاره مشنوقاً في نهاية القصة مما يتوجب عليها اتخاذ القرار بمفردها ولكن جاء هذا بعد فوات الأوان.
وقصة ( اللاجيء) وقصة ( ألسنة الموت) وغيرها من القصص السواحيلية القصيرة وفي النهاية يمكن القول إن هذا الديوان قد تناول في ثنايا قصصه القصيرة صور متنوعة منفن الإصلاح وتعكس قضايا إفريقية كانت ومازالت موجودة. ومن ثم فإن الأدب القصصي يؤدي دورا إيجابيا في فن التقويم ويؤدي دورا مجتمعيا إلى التطلع نحو مستقبل أفضل للمواطن والمجتمع.
ا.د.ايمن الأعصر
أستاذ الأدب الإفريقي بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر الشريف