د فايد سعيد يكتب: ربيكا المدافعة عن حقوق المرأة
ربيكا، شابة إنجليزية مثقفة وشغوفة بالقراءة، زارتني في المكتب ذات يوم. بعد التحية والسلام، بدأت تتحدث عن سبب زيارتها، قائلة إنها قرأت الكثير عن الإسلام، واطلعت على بعض سور القرآن الكريم، إلى جانب العديد من الكتب التي تناولت الإسلام من وجهات نظر متعددة، سواء من كتاب مسلمين أو غير مسلمين. وقد وجدت في تعاليم هذا الدين جوانب كثيرة تتفق معها، لكنها كانت تشعر بقلق حيال قضية معينة، وهي ما تعتبره “امتهان الإسلام للمرأة”. وقالت، إن الدين الذي يدعو للعدالة والمساواة، والذي يظهر في تعاليمه الكثير من القيم الطيبة، كيف يمكن أن يحمل نظرة سلبية للمرأة؟
أجبتها قائلاً: “أشكركِ على هذه الزيارة وأشكر لكِ اهتمامكِ وطرحكِ هذه التساؤلات. أتفق معكِ بأن الإسلام دين يدعو إلى العدل، ومن غير المعقول أن يتضمن ما يُسيء للمرأة”. لكنها أجابت بحزم قائلة: “للأسف، هذه حقيقة موجودة ولا يمكن إنكارها، فالقرآن يقول إن المرأة نصف الرجل”. فقلت لها: “القرآن لا يقول هذا على الإطلاق. بل على العكس، الإسلام كرم المرأة وأعطاها حقوقاً، فمثلاً يقول الله سبحانه وتعالى: ‘وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ’ (البقرة: 228)، ويقول أيضاً: ‘لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ’ (النساء: 32)”.
توقفت ربيكا وقالت: “لكن هناك آية في القرآن تنص على أن المرأة نصف الرجل”. سألتها عن الآية التي تشير إليها، فردت بأنها الآية 11 من سورة النساء. قرأنا الآية سوياً: ‘يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ’ (النساء: 11). وشرحت لها أن هذه الآية تتحدث عن توزيع الميراث، وليست حكماً عاماً حول قيمة المرأة مقارنة بالرجل.
أوضحت لها أن تقسيم الميراث وفقاً للآية ليس قاعدة شاملة تطبق على جميع الحالات، بل يتعلق بظروف وحالات محددة، وأن التمايز في أنصبة الميراث يعود إلى معايير عدة، وليس فقط إلى مسألة الذكورة أو الأنوثة. وبيَّنت لها أن من تلك المعايير:
1. درجة القرابة بين الوارث والمتوفى: فالأقرب ينال نصيباً أكبر. على سبيل المثال، إذا ترك المتوفى خلفه زوجة وأماً وابنة وأخوين، فإن الأم تأخذ السدس، والزوجة تأخذ الثمن، والابنة تأخذ النصف، والباقي يذهب للأخوين. هنا، الابنة تأخذ أكثر من الأخوين لأنها أقرب للمتوفى.
2. الجيل الوارث: إذ يكون النصيب أكبر للجيل الأصغر الذي يستعد لتحمل أعباء الحياة، فالأبناء الذين يمثلون مستقبل الأسرة يحصلون على نصيب أكبر من الوالدين الذين يمثلون الأجيال السابقة، وهذا بغض النظر عن الذكورة أو الأنوثة.
3. العبء المالي الذي يتعين على الوارث تحمله: فالذكر مثلاً مكلف بالإنفاق على زوجته وأولاده، بينما المرأة تحتفظ بنصيبها لنفسها، فلا تُلزم بالنفقة، مما يعزز استقلالها المالي ويؤمن مستقبلها.
أوضحت لها أيضاً أن هناك حالات عديدة ترث فيها المرأة مساوية للرجل، بل وفي حالات أخرى ترث أكثر منه، أو ترث هي بينما لا يرث الرجل المقابل لها. وذكرت لها ما أقره علماء الفرائض من أن هناك أربع حالات فقط ترث فيها المرأة نصف الرجل، بينما ترث مساوية له أو أكثر منه في عشرات الحالات الأخرى.
أكدتُ في نهاية حديثي أن الإسلام نظر إلى مسألة الميراث من منظور العدل والتكافل الاجتماعي، وليس من منظور التفضيل القائم على الجنس. وهكذا، فإن من ينظر إلى أحكام المواريث بتمعن سيدرك الحكمة الإلهية العميقة فيها، والتي تراعي مختلف الظروف والأعباء المالية، مما يبرز عدالة الإسلام وإنصافه للمرأة.