د راندا رزق تكتب: نحو التنمية الثقافية والبناء الاجتماعي

تعد التنمية الثقافية منهجية تستوعب كل منتجات المجتمع لتحوله في النهاية التي أنشطة فكرية واجتماعية تتم ممارستها في المجتمع ويتفاعل معها الأفراد بأساليب متفاوتة بحيث تكون في النهاية عنصر أساسي في تحديث إدراكهم لواقعهم الاجتماعي، وهذه الناحية هي بوابة البناء الاجتماعي.
حيث إن التنمية الثقافية تتضمن جميع عناصر الثقافة وأبعادها وعناصرها، فهي بالنسبة للمجتمع في لحظة معينة في نموه الاقتصادي والاجتماعي يجب أن يعبر عن صفة العلاقات المتبادلة بين الإنسان والمجتمع بحيث تحققت درجة استقلالية الفرد وقابليته على التموضع في العالم والاتصال بالآخرين والمشاركة الفضلى في المجتمع مع الاحتفاظ بقدرته على التحرر منه، وهذا يعني اختيار عدد من القيم الفردية والجماعية التي تجعل من التنمية الثقافية الهدف، أي أنه على الإنسان أن يتطلع إلى الحياة الفضلى وليس إلى حيازة أكثر للأشياء أو تكديسها، أي أن التنمية الثقافية تنحو بالإنسان نحو الكيف وليس الكم.
ولا يمكن للتنمية الثقافية أن تكتمل دون مساهمة الأنساق الاقتصادية والتربوية والاجتماعية، فغيابها يخلق هوة ثقافية بين الأفراد، وتلك الأنساق نظرا للعلاقة المعقدة والمتشابكة والمتعددة الأبعاد التي تربط التنمية الثقافية بالتنمية الشاملة؛ حيث إن وسائلها وأهدافها تمثل خيارات في سلم القيم موصولة بالنظام الاجتماعي والاقتصادي المحيط به.
وبالتالي تعد الجوانب النوعية للظواهر الثقافية عاملا مهما في تحديد القرارات من خلال علم اقتصاد التنمية الثقافية، وذلك لمعرفة أفضل الوسائل وأسس العمل الاقتصادي في المؤسسات الثقافية، وما يسمى بالصناعات الثقافية للجماهير، وسوق الإنتاج الفني والدعم المالي للفن بأنواعه، والإنفاق العام والخاص في مجال الثقافة في مجال أداة الموارد الثقافية .
حتى أصبحت الحاجة ملحة إلى تخطيط محكم لإرادة عمليات الثقافة في المجتمع بما يتوافق مع متطلبات المحلية ويتكيف مع الثقافة العالمية، ومع التغيرات المستمرة والمتسارعة التي شهدتها الكثير من المجتمعات، بالإضافة إلى تقلب الظروف الاقتصادية، مما يستوجب أن تحظى التنمية الثقافية باهتمام أكبر لمواجهة التقلبات الاقتصادية، ويجعلها معبرة عن الواقع الاجتماعي، وهذا من خلال استيعاب المجتمع لثقافته، وتنطلق من بناء لمشروعات فكرية وفنية وإبداعية وثقافية تستوعب الثقافة العالمية وتكييفها مع مستجدات العصر بدلا من تحجيمها و تجاهلها.
ومن ثمَّ، فإن التنمية الثقافية تعتبر أكثر من ضرورة للبناء الاجتماعي فمن خلالها تتغير المسارات الاجتماعية نحو الأفضل، ويمكن من خلالها إدارة العمليات الفكرية للمجتمع بطريقة فضلى، كما أنها تسمح للمجتمع بتطوير آلياته التنموية؛ لتحقيق الوعي الكافي للمجتمع، من أجل التفاعل مع الثقافة بمفهومها الاجتماعي ومنتجاتها، مما يضمن له تحقيق متطلباته الفكرية الحقيقية، ويسري مع مقومات النمو والتحديث الاقتصادي والتنظيمي الموجودة في المجتمع، لأن المجتمع القادر على تحقيق النمو السريع هو الذي يكون لديه القدرة على منهجية للتعامل مع هذا التحديث من خلال خلفيته الفكرية والثقافية.
والأمل معقود في كمّ الوعي الثقافي للمجتمع، بحيث يستطيع أن يسهم بشكل واضح في مسارات التنمية؛ وليعمل على رسم خطى مبتكرة في البناء الاجتماعي.