د. حسن السعدي يكتب: الملك توت
ظل اكتشاف مقبرة الفرعون الصغير توت عنخ آمون. مصدراً ملهماً للعديد من صور الإبداع إلى جانب عقد كامل من العمل حتى استقرت أوضاعه كشفاً و ترميماً ثم دعاية وعرضاً. فمن الطريف أن يستثمر أمير الشعراء الكشف ليكتب قصيدة ذات إسقاط سياسى حيث عرًض بإدعاء المكتشفين أنه لم تحدث أية تعديات بسرقة محتويات المقبرة مقابل قيام الإنجليز بسرقة السلطان العثمانى وحيد الدين و التهديد بإحياء الخلافة العثمانية بعد سقوطها إذ يذكر: “أَمَن سَرَقَ الخَليفَةَ وَهوَ حَيٌّ : يَعِفُّ عَنِ المُلوكِ مُكَفَّنينا”. و هو ما أكد رؤية شوقى بعد قرابة السبعة عقود عندما اكتشف أحد الخدم عدداً من القطع الأثرية من مقبرة الملك توت فى خبيئة بقصر آل كارنرفون المسمى بهاى كلير و القابع بمنطقة بيركشير جنوب شرق إنجلترا.
ويبقى موقف مرقص باشا حنا الوزير الوفدى و المحامى الوطنى الذى نجح بحق فى تمصير تداعيات الكشف رسمياً و معنوياً بدءاً من دفع الحكومة المصرية لكل تكاليف الكشف عبر سنواته الخمس و إنتهاءاً بمنع تحكم هوارد كارتر فى عرض المكتشفات على الأجانب دون المصريين.
و أحسب أن ما أشيع حول لعنة الفراعنة و إرتباطها من حيث الذيوع و الإنتشار مع ملابسات الكشف، قد أعطته زخماً من نوع خاص. حيث تعرض لمحنة المرض الغامض و الموت الفجائى العديد ممن إرتبطوا بالكشف عن “مقبرة العصفور الذهبى” و هى تسمية للمقبرة قد تخلد ذكرى عصفور كارتر الذى يشاع أنه كان أول ضحايا اللعنة المزعومة بلدغة ثعبان يوم الكشف الشهير.
أما عن أولئك الذين عانوا من تلك اللعنة مرضاً و موتاً فيأتى على رأسهم كارنرفون نفسه دون كارتر مكتشفها!. و الواقع فدعوة اللعنة كانت من سمات النصوص التى تكتب فى واجهة بعض المقابر لحمايتها من إنتهاك حرمتها، وبالتالى فقد مثلت جزءاً من مفردات المصرى القديم لحماية مقبرته. وهو ما لا ينسحب بالطبع على حادثات واقعنا المعاصر فى عالم الإكتشافات الأثرية.
فحرى بنا – و لدينا الأصل مقبرة و كنوزاً- أن نستثمر ما لدينا على كافة الأصعدة و على مدار العام. و يصبح شعاراً على كافة منشآتنا و مؤسساتنا السياحية فى الداخل و الخارج. و أن نقيم للمعروضات المقلدة من كنوز الملك أسواقاً للترويج لها سواء واقعياً أو إفتراضياً عبر تطبيق معتمد لذلك. كما نحاول أن نستحث الأطفال فى شتى أرجاء العالم فضلاً عن أطفالنا للكتابة والرسم و التشكيل الفنى عالميا مع دعوات للفائزين بزيارة الوطن كمكافأة. و يا حبذا لو خصصنا فى ذات السياق متسعاً لذوى الهمة من منطلق مزدوج؛ حيث البعد الإنسانى من جانب و التواصل مع صاحب المناسبة من جانب آخر الذى عانى صحياً لا سيما فى ساقه و بما يفسر عدد العكازات التى وجدت فى مقبرته.
و يبقى فى النهاية ضرورة التوسع فى دائرة إلقاء الضوء على الحدث بما لا يزال مستغلقاً من حكايات وراء أستار الكشف، و ذلك على غرار كتاب توماس هوفينج ” توت عنخ آمون .. حكاية غير مروية”، و التى آمل أن تتم ترجمته للعربية من خلال وزارة السياحة والآثار أو وزارة الثقافة مع غيره من الكتب التى صدرت و على رأسها كتاب المكتشف هوارد كارتر نفسه.
أ د/ حسن السعدى
أستاذ الحضارة المصرية القديمة بآداب الأسكندرية