أخبار ومتابعات

د راندا رزق تكتب : التراث الثقافي والهوية الحضارية

قضية التراث والهوية الحضارية ذات أهمية كبرى بين الكتاب والنقاد وبين المؤرخين؛ لأنها تهتم بالهوية وبالثقافة والقيم والفكر الديني، مما استوجب ضرورة عقد الساحات العلمية والأكاديمية وجلوس المثقفين والتنويريين على طاولة الحوار العلمي البناء.
ومن المهم ان نوضح أنه يطلق التراث على مجموع نتاج الحضارات السابقة التي يتم توريثها من جيل إلى جيل، وهي نتاج تجارب الإنسان ورغباته وأفكاره وثقافاته، سواء أكانت في ميادين العلم أو الفكر أو اللغة أو الأدب، فيشمل جميع النواحي المادية، والوجدانية للمجتمع من كل القيم، والابتكارات، والوسائل التي يستخدمها في حياته، وكيفية تعامله مع الظواهر.
ومن المؤكد منهجيًّا وتاريخيًّا أن هناك ترابطًا وثيقًا بين التراث والهوية، فلا هوية بدون تراث تستند إليه الأمة، ولا تراث إذا لم يؤسس للهوية، فالتراث والهوية عنصران متلازمان يُشكلان في مجموعهما الذات والشخصية الفردية والجماعية.
فالذي يميز الشعوب تاريخيًّا و هُويّةً وحضاريًّا هو تراثها الذي يؤكد مدى رسوخها في المكان وامتدادها عبر الزمان، مما يتطلب ضرورة الوعي بالتراث لنحافظ على الاختلاف والتنوع الذي يميز الشعوب ويعطيها قيمتها الحضارية؛ فالتراث يمثل الهوية الوطنية والدينية واللغوية لأي شعب من الشعوب والمحافظة عليه هو محافظة على شخصية الأمة والوطن والدولة والمجتمع، واعتزاز بالهوية وتأكيد على الانتماء الحضاري.
إن التأكيد على استيعاب التراث لا يعني الغوص في ترف أمجاد الماضي العلمية، بل من ناحية استخدامه في توجهاتنا التخطيطية، بالصيغة التي نعيد بها ارتباط ماضينا بحاضرنا ثم بمستقبلنا. فكما يقال (من لا تراث له لا هوية له)، ومن هذه المقولة وجب علينا المحافظة عليه والتشبث بالهوية، فقيمة الأثر أن نستخرج من الماضي صورًا ورموزًا غنية عند توظيفها في حاضرنا المعاصر، ونحن لا يمكننا إعادة الزمن أو التاريخ أو التغني بالماضي فحسب، لكننا نستطيع تتبع الآثار ودراسة الوثائق التي خلفها لنا الأجداد، ومن خلال تمثلنا لما نرثه، نعاصره، ومعاصرتنا له، تمكننا من إنشائه من جديد، ومواكبة السُّلَّم الحضاري.

زر الذهاب إلى الأعلى