د خالد غانم يكتب : ليس معارضة للأقدار
الصمود الدائم والعطاء المستمر من طبيعة المرء ـ الصالح صاحب الفطرة الخيرة والسلوك المستقيم ـ الذي يستطيع من خلال تدينه الصحيح، ونظرته المنيرة الثاقبة، وتوجهاته المخلصة، البقاء أمام العوائق المناهضة له، والصمود حيالها، ويجعله قادرا على حل كل مشكلة، أو عويصة تعتري الإنسانية، وميدان العمل في هذا الجانب رحب وفسيح؛ إذ إن الدين الإلهي لا يعتبر الإيمان بالقضاء والقدر من الأسباب المعوِّقة لانطلاق الإنسان نحو مستقبل أحسن، بل يقوي هذا التوجه المستقبلي الممزوج بالرضا والطمأنينة، والأمن على الرزق والحياة، وهما ـ أي الرزق والحياة ـ من الدعامات الأساسية للحياة الطيبة، وليس هذا معارضة للأقدار، ولا إنكارًا لمبدأ الإيمان بالقدر والرضا به؛ إذ الإيمان بالقدر لا يدعو إلى التقاعس عن العبادة وعمل الخير، بل هو كما قال العارف بالله عبد القادر الجيلاني: “ننازع أقدار الحق بالحق للحق” ، فحين نطالب بالتسليم بالأقدار المحتومة لا يعني ذلك استسلامًا أمام مغيبات مستقبلية، أو تغييبًا للذات وسلبية، إنما هي عملية إيجابية، مع الإيمان بعلم الله السابق، وقدرة الله الشاملة، وكما قال سيدنا عمر الفاروق ـ رضي الله عنه ـ : ” نفر من قدر الله إلى قدر الله“.
كما أن هذا الإسلام لا يعتبر طول الأمد ـ الذي ورد النهي عنه في الوحي ـ يعني القعود والتقاعس عن التطلع إلى مستقبل منفتح مشرق، وإنما يشير النهي إلى تجنب المزيد من الخطوات التي تجر المرء إلى التنافس المذموم، أو الجور على الآخرين، أو الميل بالعمل لحياة دون أخرى.
كذلك لا ينبغي أن يتمكن التوهم ـ بداخل الإنسان ـ بفهم المعنى المغلوط لمقام التوكل وحقيقته، الذي هو ـ تبعًا للمفهوم الديني الصحيح ـ تفاعل إيجابي مع ثقة ايمانية بالغة في كل الحركات والسكنات.
بيد أن الإيمان الصحيح بهذه القضايا العقدية ـ وغيرها ـ إنما هو بمثابة قوة دفع قوية، ينبغي أن لا تفتر، وتوجه كامل نحو العمل من أجل المستقبل، وتنظيم دقيق للفكر من أجل التركيز على ما ينفع الإنسان في حاله ومستقبله.
ومن ثمَّ فالمناهج المرتكزة على الوحي الإلهي رسمت للناس حياتهم، وبينت سبل صلاحها في العاجل وفلاحهافي الآجل، فلا أقل من أن ينظر الإنسان بعين الواقع، وفِكْر الحاضر والمستقبل، وذلك لرسم صورة للتطلع إلى غد أجود ومستقبل أفضل، حتى ينعم الإنسان ويحيا في حالة من الطمأنينة نحو الوعي