
في زمن تتشابك فيه التحديات الصحية ، وتتسارع الأوبئة والمخاطر الصحية يبرز التعاون الصحي العربي الأفريقي كحاجة إستراتيجية لا غنى عنها ليس فقط لمواجهة الأمراض والجوائح بل لبناء جسور تنمية حقيقية تضمن صحة أفضل واقتصاد أقوى ومستقبل أكثر استقرارا ، وفي قلب القارة السمراء حيث تتشابك الروح الأفريقية بعراقة التاريخ العربي ، يلوح أفقٌ جديد من التعاون الصحي ، يَعِدُ بأن يكون جسراً من الأمل والتنمية بين شواطئ المتوسط وعمق الصحراء والسافانا . إن ما يختزنه الفضاء العربي الأفريقي من قدرات بشرية وموارد طبيعية وتجارب صحية متراكمة ، يشكّل كنزًا غير مكتشف بالكامل ، قادرًا على صياغة مستقبل صحي متين ، ففي الجنوب تقف جنوب أفريقيا كنموذجٍ مُلهمٍ لدولةٍ حولت ماضيها النضالي إلى مؤسسات طبية متقدمة ، تمتلك خبراتٍ راسخة في التعليم الطبي والتدريب السريري ، وفي إدارة الإسعاف والطوارئ بفاعلية ، ومكافحة الأمراض المعدية والمزمنة ببرامج علمية دقيقة . وإلى جوارها تمتد تجارب أفريقية أخرى في داكار ونيروبي وأديس أبابا وكمبالا وغيرها ، تحمل دروسًا في الصناعات الدوائية المحلية ، ومختبرات الأوبئة ، وشبكات الرعاية الصحية الأولية ، وهي جميعها مكاسب تنبض بالإبداع وتثبت أن الحلول الأفريقية قادرة على منافسة أرقى النظم العالمية ، وفي الشمال تتألق مصر بتاريخٍ طبي يضرب بجذوره في أعماق الحضارة ، ومن أقدم مدارس الطب في العالم ، والعصر الحديث تتميز انها من أول مدارس الطب من القصر العيني إلى الجامعات والمراكز البحثية الحديثة ، واستطاعت مصر أن تؤسس منظومة تعليم طبي عريقة خرّجت أجيالًا من الأطباء الذين عملوا في شتى أنحاء العالم وبالدول العربية والأفريقية . كما طورت صناعة دوائية ولقاحات متقدمة جعلتها من أبرز الدول القادرة على إنتاج الأدوية والمستحضرات الحيوية بأسعار تنافسية وجودة عالية ، وأسهمت في برامج مكافحة الأوبئة والأمراض المزمنة داخل مصر وخارجها . أما العواصم العربية من الرياض إلى بيروت ، ومن عمان إلى الرباط ، ومن تونس إلى دبي ، ومن بغداد إلى طرابلس ، وإلى كل عواصم العالم العربي ، فهي تمتلك منظومات جامعية ومراكز طبية ومؤسسات أكاديمية يمكن أن تشكل شبكة متكاملة لفتح برامج منح تعليمية في الطب والتمريض والصحة العامة والتدريب السريري ، بحيث تُتيح لأبناء القارة الأفريقية فرصًا واسعة لاكتساب الخبرة والتأهيل المتقدم ، وتمكن الطلبة العرب والأفارقة من تبادل المعرفة في بيئات تعليمية متنوعة . هذه المنح تمثل أبوابًا للأمل ، وتزرع جسورًا من التواصل العلمي والإنساني بين شعوب المنطقة . إن ما تملكه مصر من قوة تعليمية وبحثية وتصنيعية ، وما تملكه جنوب أفريقيا من خبرات ميدانية متقدمة في الإسعاف والطوارئ ومكافحة الأوبئة ، وما تقدمه عواصم عربية كبرى من دعم أكاديمي وتمويلي ، يفتح الباب أمام تحالف عربي أفريقي قادر على بناء منظومة تعليم طبي وتمريضي مشتركة ، توفر برامج للمنح والتبادل الأكاديمي والتدريب السريري في مختلف التخصصات . وصناعة دوائية ولقاحية تقوم على نقل التكنولوجيا وتوطين الإنتاج ، بما يضمن الاكتفاء الذاتي من الأدوية والمستحضرات الحيوية . وشبكات إسعاف وطوارئ واستجابة للكوارث ، تستفيد من النماذج الناجحة في جنوب أفريقيا والخبرات العربية في إدارة الأزمات . ومراكز بحثية إقليمية تعزز نظم المعلومات الصحية والإنذار المبكر لمواجهة الجوائح والأمراض المستجدة . إن هذا التعاون الممتد من طرابلس والقاهرة والرياض وبيروت وعمان والرباط وتونس ودبي وبغداد إلى بريتوريا وداكار ونيروبي وأديس أبابا وكمبالا ، ليس مجرد اتفاقات تقنية ، بل هو مشروع حضاري يرسخ حق الإنسان في الصحة ، ويضمن كرامة العلاج ، وعدالة الخدمات ، واستقلال القرار الصحي . هكذا تتحول مصر بتاريخها الطبي العريق وصناعاتها الدوائية واللقاحية ، وجنوب أفريقيا بخبراتها العملية ونجاحاتها الميدانية ، والدول العربية والأفريقية بطموحاتها وإرادتها ، إلى تحالف صحي معرفي قادر على أن يداوي جراح الجهتين ، ويكتب فصلاً جديدًا من الاعتماد المتبادل ، حيث يصنع العرب والأفارقة مستقبلهم الصحي بأيديهم ، ويثبتون للعالم أن الجنوب قادر على أن يكون منبعًا للحياة والأمل .









