مقالات الرأى

د أسامة شاهين يكتب : استراتيجيات التصدي للاحتكار الصحي في الأنظمة الناشئة. 

متابعات يوتوبيا

في السنوات الأخيرة، أصبحت الممارسات الاحتكارية في القطاع الصحي مصدر قلق متزايد في البلدان النامية والانظمة الناشئة علي مستوي العالم. حيث يشكل احتكار خدمات وموارد الرعاية الصحية من قبل كيانات بعينها خطرًا كبيرًا على الرفاهية العامة للسكان ويمكن أن يكون له عواقب بعيدة المدى على النتائج الصحية. سنستكشف في هذا المقال مخاطر الاحتكارات الصحية ونناقش استراتيجيات مواجهة هذه المشكلة في الأنظمة الناشئة.

 

يشير احتكار الصحة إلى الوضع الذي يتمتع فيه كيانات متفردة، بالسيطرة الكاملة على توفير خدمات الرعاية الصحية داخل منطقة معينة. يمكن أن يظهر هذا الاحتكار بأشكال مختلفة، بما في ذلك احتكار مقدمي الرعاية الصحية وهي الملكية الحصرية لمرافق الرعاية الصحية، او احتكار التأمين الطبي حيث تسيطر شركة تأمين طبي واحدة على جزء كبير من السوق، فتحدد الأسعار والتغطية والقدرة على الوصول إلى الرعاية، واحتكار الادوية والمعدات الصحية ، ويتمثل في السيطرة على الإمدادات والمعدات الطبية وكذلك انتاج وتوزيع الادوية بالاضافة الي السيطرة على عمليات صنع القرار في مجال الرعاية الصحية.

 

أحد أهم مخاطر الاحتكارات السوقية بصورة عامة والصحي بصورة خاصة هو الافتقار إلى المنافسة، مما قد يؤدي إلى انخفاض جودة الرعاية ومحدودية الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية لعامة السكان. عندما يحتكر كيان واحد خدمات الرعاية الصحية، فلن يكون هناك حافز كبير للابتكار أو تحسين الخدمات أو خفض التكاليف. وهذا يمكن أن يؤدي إلى ركود في جودة الرعاية المقدمة ويخلق حواجز أمام حصول أولئك الذين لا يستطيعون تحمل الأسعار المرتفعة التي يحددها مقدم الخدمة الاحتكاري.

ومن هذا المنطلق اقدمت دول كثيرة علي تعزير المنافسة والحد من الممارسات الاحتكارية عن طريق تصميم انظمة صحية شاملة ومرنة تعزز بها تواجد القطاع الخاص عن طريق الحوافز والتسعير العادل للخدمات الصحية ، ففي مصر والهند، نفذت الحكومة سياسات للتصدي للممارسات الاحتكارية وتشجيع مشاركة مقدمي الرعاية الصحية من القطاع الخاص في تقديم خدمات الرعاية الصحية للمواطنين ، وبالتالي توسيع نطاق الوصول إلى الرعاية وتعزيز المنافسة في الاسواق. وقد أدى ذلك إلى تحسينات في نتائج الرعاية الصحية وزيادة القدرة على تحمل التكاليف لعامة السكان. لذلك كمثال تتبني مصر استراتيجية لتشجيع إشراك القطاع الخاص في الاستثمار في القطاع الصحي، من خلال تقديم كافة التسهيلات وعوامل الجذب للقطاع الخاص ليكون شريك أساسي في منظومة التأمين الصحي الشامل.

 

علاوة على ذلك، يمكن أن يكون للاحتكارات الصحية أيضًا آثار سلبية على العاملين في مجال الرعاية الصحية، الذين قد يواجهون فرص عمل محدودة، وانخفاض الأجور، وانخفاض الاستقلالية في ممارستهم. بدون المنافسة في قطاع الرعاية الصحية، غالبًا ما يضطر العاملون في مجال الرعاية الصحية إلى قبول ظروف عمل غير مواتية وقد يُحرمون من فرصة متابعة النمو والتطوير المهني.

 

ولمواجهة مخاطر الاحتكارات الصحية في البلدان النامية، يتعين على صناع السياسات وأصحاب المصلحة تنفيذ استراتيجيات تعمل على تعزيز المنافسة، وزيادة الشفافية وتطبيق مبدأ الحوكمة ، وإعطاء الأولوية لاحتياجات السكان. أحد الأساليب الفعالة هو تشجيع اللامركزية في خدمات الرعاية الصحية، مما يسمح بإنشاء مقدمي خدمات متعددين لتلبية الاحتياجات المتنوعة للسكان. ومن خلال تشجيع المنافسة بين مقدمي الرعاية الصحية، تستطيع الحكومات تحفيز الابتكار وتحسين جودة الرعاية وخفض التكاليف للمرضى.

 

ويأتي تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص من اهم الاستراتيجيات لمواجهة الاحتكار الصحي فمن الممكن أن يساعد التعاون بين القطاعين العام والخاص في توسيع نطاق الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية وتعزيز الابتكار مع منع تركيز قوة السوق في أيدي عدد قليل من الكيانات. ومن خلال الاستفادة من نقاط القوة في كلا القطاعين، يمكن للبلدان تقديم نتائج أفضل في مجال الرعاية الصحية لسكانها. حيث نجح نظام الرعاية الصحية البرازيلي في تنفيذ شراكات بين القطاعين العام والخاص لتحسين الوصول إلى الرعاية في المناطق المحرومة، وتعزيز تقديم الرعاية الصحية والحد من مخاطر الاحتكارات الصحية. وفي هذا السياق اقدمت مصر علي طرح مشروع قانون يتيح للقطاع الخاص إدارة وتطوير المنشآت الصحية العامة مما يعمل بدوره علي النهوض بالمنظومة الصحية ويحقق كافة  مصالح المواطنين.

 

ومن الاستراتيجيات المهمة الأخرى لمواجهة الاحتكارات الصحية زيادة الشفافية والمساءلة في إدارة الرعاية الصحية. ومن خلال ضمان مساءلة مقدمي الرعاية الصحية عن أفعالهم وقراراتهم، يمكن للحكومات تقليل مخاطر إساءة استخدام السلطة وتعزيز مصالح السكان. تعد الشفافية في تمويل الرعاية الصحية، وتخصيص الموارد، وعمليات صنع القرار أمرًا ضروريًا لضمان تخصيص الموارد بكفاءة ومساواة.

ففي كينيا، على سبيل المثال، قدمت الحكومة مبادرات لتعزيز الشفافية والمساءلة في قطاع الرعاية الصحية، مثل إنشاء بوابة عامة للإبلاغ عن الفساد وسوء الممارسة في مرافق الرعاية الصحية. ومن خلال تمكين المواطنين من مساءلة مقدمي الرعاية الصحية، تهدف الحكومة إلى مكافحة الفساد وضمان تقديم رعاية عالية الجودة للسكان. وكذلك في مصر عمل انشاء منظومة الشكاوي الحكومية الموحدة التابعة لمجلس الوزراء والتي تعطي القدرة والاتاحة للمواطنين في الابلاغ وبشكل مباشر عن اي محاولة للتلاعب او تعطيل في الاجراءات مما قلل بدوره مستويات الفساد الاداري وأدي الي تحسين جودة الخدمات المقدمة.

 

علاوة على ذلك، تستطيع البلدان النامية مواجهة الاحتكارات الصحية من خلال الاستثمار في البنية التحتية وتعليم وتدريب العاملين في مجال الرعاية الصحية، وبالتالي تعزيز القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية وتشجيع المنافسة بين مقدمي الخدمات. ومن خلال تزويد العاملين في مجال الرعاية الصحية بالمهارات والمعرفة اللازمة لتقديم رعاية جيدة، وكذلك ومن خلال تعزيز نظام الرعاية الصحية على جميع المستويات، يمكن للبلدان تقليل الاعتماد على الكيانات الاحتكارية وتعزيز تقديم الرعاية الصحية لجميع المواطنين. حيث أدى استثمار رواندا الناجح في البنية التحتية الصحية والعاملين في مجال الصحة المجتمعية إلى تحسين الوصول إلى الرعاية الصحية ونتائجها بشكل كبير، مما أدى إلى الحد من مخاطر الاحتكارات الصحية في البلاد. تستطيع الحكومات تمكينهم من الدفاع عن مصالح مرضاهم وتحدي هيمنة مقدمي الرعاية الاحتكاريين، وفي تنزانيا، نفذت الحكومة برامج لتحسين تدريب وإصدار الشهادات للعاملين في مجال الرعاية الصحية، مع التركيز على تحسين جودة الرعاية المقدمة في المناطق المحرومة. ومن خلال الاستثمار في التطوير المهني للعاملين في مجال الرعاية الصحية، تهدف الحكومة إلى تعزيز القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية وتعزيز المنافسة في تقديم خدمات الرعاية الصحية. وفي رواندا أدى الاستثمار الناجح في البنية التحتية الصحية والعاملين في مجال الصحة المجتمعية إلى تحسين الوصول إلى الرعاية الصحية ونتائجها بشكل كبير، مما أدى إلى الحد من مخاطر الاحتكارات الصحية في البلاد.

 

في الختام، يشكل الاحتكار في القطاع الصحي تهديدا كبيرا لأنظمة الرعاية الصحية في الأنظمة الناشئة مما يحد من الوصول إليها، ويزيد التكاليف، ويعوق جودة الرعاية. ومن خلال فهم الأنواع المختلفة للاحتكارات الصحية وتنفيذ استراتيجيات لمواجهتها، تستطيع البلدان العمل على إنشاء نظام رعاية صحية أكثر إنصافًا وفعالية للجميع. ومن خلال تشجيع المنافسة، وتعزيز الشراكات، والاستثمار في البنية التحتية الصحية، تستطيع البلدان النامية التخفيف من المخاطر المرتبطة بالاحتكارات الصحية وضمان تحسين جودة الخدمات الصحية.

زر الذهاب إلى الأعلى