يوسف سمير إبراهيم يكتب: الدراما المصرية بين التوعية والتشويه: هل تنصف مؤسسات الرعاية أم تظلمها؟
يوسف سمير إبراهيم

شهد السباق الرمضاني لهذا العام اهتمامًا خاصًا بمؤسسات الرعاية الاجتماعية في الدراما المصرية، لكن اللافت كان الصورة السلبية التي طُرحت بها هذه المؤسسات. فقد ظهرت في بعض الأعمال كمسرح للفساد، أو كمكان يسهل فيه سرقة الأطفال واسترجاعهم، كما رأينا في مسلسل إخوتي. ورغم أن المسلسل سلط الضوء على الجوانب الإيجابية للتبني، إلا أن المبالغات الدرامية قد تؤثر سلبًا على الصورة الذهنية لدور الرعاية في المجتمع.
من خلال تجربتي الشخصية، كوني عضوًا فاعلًا في مؤسسات خيرية لسنوات، زرت العديد من دور الأيتام التي تمثل نماذج مشرقة في العمل الإنساني. لكن للأسف، لم تُسلط الدراما الضوء على هذه النماذج الإيجابية، بل ركزت بشكل شبه حصري على الجوانب السلبية. وجاء مسلسل أولاد شمس ليعكس فساد بعض أصحاب دور الأيتام، وهي ظاهرة لا يمكن إنكارها، خاصة مع وجود انتهاكات صارخة لحقوق الأطفال في بعض المؤسسات. ومع ذلك، فإن التناول الدرامي يجب أن يكون متوازنًا، بحيث يعكس الواقع بأبعاده المختلفة، دون تشويه الدور النبيل الذي تقوم به العديد من هذه المؤسسات.
ورغم أهمية تسليط الضوء على هذه المشكلات، إلا أن الدراما يجب أن تكون وسيلة للإصلاح والتوعية وليس مجرد أداة للانتقاد أو التشويه. من الإيجابيات هذا العام كان تعليق وزيرة التضامن الاجتماعي على مسلسل أولاد شمس، بل وتكريمها لفريق العمل، ما يعكس اهتمام الدولة بهذا الملف. لكن هذا لا يكفي، إذ يتطلب الأمر تدخلًا أكثر صرامة من خلال تشريعات قوية تحمي حقوق الأطفال، إلى جانب دور فاعل للمجتمع المدني في تغيير النظرة المجتمعية تجاه هؤلاء الأطفال، وتعزيز اندماجهم كأفراد متساوين في المجتمع.
اهتمام الدولة بالدراما ودورها المجتمعي
في هذا السياق، جاء تعليق فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي ليؤكد على الدور المحوري للدراما في تشكيل وعي المجتمع، حيث وجه خلال احتفالية ذكرى العاشر من رمضان ويوم الشهيد انتقادات لاذعة للدراما المصرية، خاصة المعروضة خلال شهر رمضان 2025. وشدد على أن الأعمال الفنية يجب أن تعكس قيم وأخلاق المجتمع المصري، وألا تكون مجرد وسيلة للترفيه غير الهادف، قائلاً: “اوعوا ترعوا الغم فقط والهزل فقط والكلام اللي مش يبني أمة فقط.”
وأكد الرئيس السيسي أن الإعلام يجب أن يعمل على تنشئة الأجيال الجديدة على المبادئ الإيجابية التي تحفظ هوية المجتمع وتدعمه، مشيرًا إلى ضرورة تسليط الضوء على القضايا الاجتماعية والتاريخية وتقديم حلول لها، لأن الدراما تلعب دورًا محوريًا في تشكيل وعي البيت المصري. كما أشاد ببرنامج قطايف للفنان سامح حسين، معتبرًا أنه نموذج للإعلام الإيجابي الهادف الذي تحتاجه الساحة الفنية.
إجراءات عملية لضبط المشهد الدرامي
استجابةً لتوجيهات الرئيس، أعلن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، عن تشكيل مجموعة عمل لضبط الإعلام والدراما، تضم جهات معنية ومتخصصين إلى جانب الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية. كما كشف الكاتب أحمد المسلماني، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، عن تنظيم مؤتمر بعنوان “مستقبل الدراما في مصر” بمقر الهيئة الوطنية للإعلام في ماسبيرو خلال إبريل 2025، لمناقشة آليات تطوير المحتوى الدرامي بما يتوافق مع الهوية المصرية.
كما أصدر رئيس حزب الجبهة الوطنية، عاصم الجزار، تكليفًا لأمانة الثقافة والتراث والفنون بالحزب، برئاسة الكاتب مدحت العدل، بإعداد دراسة حول أوضاع الدراما المصرية، بمشاركة نقيب الممثلين أشرف زكي والفنان سامح الصريطي، وذلك استجابةً لتحذيرات الرئيس من التأثير السلبي لبعض الأعمال على الأجيال الصغيرة.
ضرورة دعم الصحة النفسية في دور الرعاية
من القضايا التي لا تقل أهمية، والتي كان يجب أن تحظى بمساحة أكبر في الأعمال الدرامية، هي قضية الدعم النفسي للأطفال في دور الرعاية. فهؤلاء الأطفال بحاجة ماسة إلى دعم نفسي مستدام، وهو جانب يجب أن يكون حاضرًا في جميع المؤسسات. كنت أتمنى أن أرى مؤسسات متخصصة تقدم خدمات الدعم النفسي بشكل ممنهج، مثل مؤسسة فاهم التي قدمت جهودًا لافتة في هذا المجال، رغم أن الاهتمام بالصحة النفسية يجب أن يكون متاحًا لجميع الفئات العمرية. إن توفير الدعم النفسي في دور الرعاية ليس رفاهية، بل هو ضرورة لضمان تنشئة أجيال سليمة نفسيًا واجتماعيًا.
دور المجتمع المدني في حماية الأطفال
لقد شهدنا خلال السنوات الأخيرة تحركات قوية من وزارة التضامن وجهودًا واضحة من المجتمع المدني، كما برزت صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل صفحة أطفال مفقودة، التي لعبت دورًا كبيرًا في الدفاع عن حقوق الأطفال. ومع ذلك، لا يزال الملف بحاجة إلى مزيد من الجهود على المستويات التشريعية والتنفيذية لضمان حماية هذه الفئة الهشة من المجتمع.
إن هؤلاء الأطفال يمكن أن يصبحوا عناصر فعالة ومسؤولين في الدولة إذا تم توفير بيئة سليمة لرعايتهم وتعليمهم، ومن هنا تأتي ضرورة فرض قوانين رادعة بحق منتهكي حقوقهم، ليكونوا عبرة لمن تسوّل له نفسه استغلالهم. فالاهتمام بهذه الفئة ليس مجرد مسؤولية إنسانية، بل هو استثمار حقيقي في مستقبل الوطن
مستقبل الدراما المصرية
مع هذه التحركات الرسمية والمجتمعية، لديّ ثقة كبيرة في أن الدراما المصرية في الأعوام القادمة ستصبح أكثر احترافية، وأكثر تعبيرًا عن أخلاق وقيم الشعب المصري. فالدراما ليست مجرد وسيلة للترفيه، بل هي قوة ناعمة قادرة على تغيير المجتمع، والتأثير في الأجيال القادمة. إذا استُخدمت بوعي ومسؤولية، يمكن أن تكون أداة للإصلاح والتوعية، وليس مجرد مرآة للواقع السلبي أو منصة للإثارة والتشويه. إننا بحاجة إلى دراما تعكس الواقع بأمانة، وتعزز قيم الخير، وتساهم في بناء مجتمع أكثر وعيًا وإنسانية.
يوسف سمير إبراهيم – معيد بالإعلام السياسي