الإمام الطرابلسي هو العالم الكبير فضيلة الإمام محمد كامل بن مصطفى بن محمود الطرابلسي، الحنفي، الأشعري، الشاذلي، فقيه أهل طرابلس الغرب.
ولد في مدينة الزاوية الغربية سنة أربع وأربعين ومائتين وألف للهجرة (1828م)، وبها أتم حفظ القرآن الكريم، ثم رحل مع أهله إلى طرابلس سنة خمسين ومائتين للهجرة، والتحق بكلية أحمد باشا، ثم مدرسة عثمان باشا الساقزلي، فدرس النحو والفقه والحديث وفروعه.
ثم سافر إلى مصر، ودخل الأزهر الشريف، فمكث سبع سنوات ينهل من علومه، من سنة 1263 – 1270. وقد تتلمذ الطرابلسي على يد عدد من كبار علماء الأزهر في زمانه، ومنهم الإمام الباجوري، وبرهان الدين السقا، وعبد الهادي نجا الإبياري، وغيرهم.
. ومما يؤثر عنه من لطيف عاداته أنه كان يقيد في دفتر له اسم من يستعير منه كتابا، حتى صار هذا الدفتر مرجعا لمعرفة العلماء والطبقة المثقفة في عصره!
. وكان قد تعلم في الأزهر أهمية تحقيق التوازن في جميع جوانب الحياة، فكان إلى جانب عكوفه على التحصيل والدرس والاطلاع يخرج مساء كل خميس للتنزة والتريض على شاطئ النيل مع أقرانه من شتى البلدان، فيتنزهون ويذكرون إلى جانب ذلك ملح العلماء في العلوم ونوادر الأدب وطرائفهم في مختلف الفنون.
. ومما تسرب إلى عقل وروح الإمام الطرابلسي تلك الروح السمحة القائمة على الوسطية التعددية والتنوع وقبول الآخر، والتى يعمقها المنهج الأزهري في نفوس الدارسين، فرغم دراسته في بلد كل الإفتاء فيه على المذهب المالكي، لم يؤثر عنه الاصطدام أو التحجر أو إثارة القلاقل، فلم يعاند مذهبًا من المذاهب.
. وانخرط في أحداث المجتمع الليبي، ولم ينأى بنفسه عن الواقع، وخير شاهد على هذا كتابه على المذهب الحنفي “الفتاوى الكاملية فى الحوادث الطرابلسية” ، وذلك في عام 1890، والذي بلغ عدد صفحاته 308.
. كما كان شخصية أيقونية يلهم أهله بلده، فكان يحث على جمع الشمل، وحقن الدماء، ومحاربة المحتل، والالتفاف حول الوطن.
. كما يعد العلامة الشيخ/ محمد كامل بن مصطفى الطرابلسي، مدار الإسناد عند علماء طرابلس الغرب، والذي قد أحدث نهضة علمية كبرى ببلاده، ويدرس ويكتب ويدقق.
. ولما رجع إلى بلده تولى عمارة المدرسة العثمانية (مدرسة عثمان باشا ساقزلي)، وساعده على ذلك تنوع خبراته، وما تلقاه من معارف وعلوم وفنون بالأزهر الشريف والديار المصرية، وكانت مصر -في هذا الوقت- محط أنظار الدنيا، ومرآة العالم الذي يرى الناسَ من خلاله الأصناف والأجناس من كل حدب وصوب، إذ يأتي إليها الإنسان فينفتح على حضارة عظيمة ويتوجه للعالم كما لم يكن يخطر له على بال.
ولا تزال بعض الجمل التي خرجت من فم علماء الأزهريين العظام عالقة في جبين المحبين وهي”من تمصر تبصر، واللي يعيش في مصر يحصل عنده فهم وبصيره وإدراك، ويعود على فهمه للشريعة بالسعة والاستيعاب وإدراك مقاصد الشريعة ومواجهة المشاكل والوقائع، والقاهرة نافذة العالم”.
ولد تولى الشيخ الطرابلسي الإفتاء عام 1311 ه إلى أن توفي ؛ وذلك سنة 1315ه (1897م).
وقد صدرت له مؤلفات منها :
– حواش على البيضاوي (مجلد ضخم، بخطه، في مكتبة الأوقاف بطرابلس).
– الفتاوى الكاملية في الحوادث الطرابلسية (على الفقه الحنفي)
مطبوع، جزء واحد في (310) صفحة، مطبعة محمد أفندي مصطفى، مصر، تحقيق سالم المبروك السعودي الورشفاني ، ومجموعة العبد الذليل على أنوار التنزيل، فتح الودود في حل المقصود وهو في فن الصرف وغيرها.
رحم الله تعالى الفقيه الطرابلسي ونفعنا بعلومه.