د محمد عزام يكتب: نظام المعلومات العالمي وتحدي القدرة على امتصاص الصدمات!
استيقظ العالم صباح الجمعة التاسع عشر من يوليو على أخبار مفزعة مفادها أن نظم المطارات والبورصات والبنوك ووكالات الإعلام وشركات الاتصالات قد أصابها توقف مفاجئ، أشبه بالسكتة الدماغية، في العديد من دول العالم، بدءاً من استراليا في أقصي جنوب الكرة الأرضية، ومروراً بأوروبا والشرق الأوسط، ووصولاً إلى الولايات المتحدة في أقصي شمال الأرض.
وبدأ الناس في مناقشة هذا الأمر الجلل، على منصات التواصل الاجتماعي كالعادة، وقال البعض: إنه هجوم سيبراني جسيم، وعلى العالم تتبع الفاعل، وعقابه أشد عقاب، وقال آخرون:إنه خطأ فني ضخم، وأدعى البعض أنه مزيج بين الخطأ الفني والهجوم السيبراني!
ولكن ماذا حدث؟ فطبقاً لما نشرته وكالات الأنباء العالمية فإن شركة CrowdStrike الأمريكية والمتخصصة في أمن المعلومات قامت بتحديث أحد أنظمتها والعاملة على نظم تشغيل ويندوز الخاصة بعملاق التكنولوجيا مايكروسوفت فقط، مما أدي لحدوث أعطال جسمية، ودون تأثر الأنظمة العاملة بنظم تشغيل آبل ولينكس، كما صرح بذلك الرئيس التنفيذي للشركة جورج كورتز في بيان له على موقع “أكس”. وهذا كله أدي إلى حدوث أعطال للخوادم العاملة بنظم تشغيل ويندوز، والتي تستخدمها الكثير من قطاعات الأعمال بمختلف بلدان العالم، وظهرت على الشاشات، ما يطلق عليها “شاشة الموت الزرقاء” Blue Screen of Death، وبالتالي تأثرت منظومات عديدة، وخروجها من الخدمة، مما سبب هلع لدى العديد من الدول، المتقدم منها والنامي. وأعلنت الخطوط الجوية الأمريكية، التي تصف نفسها بأنها الأكبر في العالم، إن مشكلة تكنولوجية تؤثر على “عدة شركات طيران”، في حين قالت شركة “كيه إل إم”: إنها اضطرت إلى تعليق معظم عملياتها. وفي الوقت نفسه، حذرت هيئة المطارات الإسبانية المسافرين من توقع تأخيرات بسبب “حادث في نظام الحاسب الآلي”، وقالت شركة الطيران البريطانية Ryanair: إنها تعاني من اضطراب نتيجة انقطاع تكنولوجيا المعلومات من طرف ثالث، ونصحت المسافرين بالوصول إلى المطار قبل ثلاث ساعات على الأقل من موعد المغادرة المقرر. وبعيدًا عن قطاع الطيران، أبلغت البنوك والشركات المالية في جميع أنحاء العالم عن مشكلات، حيث أبلغت بورصة لندن عن مشكلات في منصة البيانات والأخبار الخاصة بها، وكذلك قالت شركة التمويل الألمانية العملاقة أليانز إنها “تواجه انقطاعًا كبيرًا يؤثر على قدرة الموظفين على تسجيل الدخول إلى أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم”. وبعد ساعات من حدوث هذا العطل الجسيم أكد الرئيس التنفيذي لشركة CrowdStrike جورج كورتز في بيان له “هذا ليس حادثًا أمنيًا أو هجومًا سيبرانيً، ولقد تم تحديد المشكلة وعزلها وبدء عملية إصلاح الأعطال”.
وعلى الجانب الآخر ــ ولله الحمد ــ لم تتأثر القطاعات المختلفة في مصر بهذه المشكلة الفنية، طبقاً للتصريح الصادر من وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية.
ولكن كما تأثرت قطاعات الأعمال المختلفة بهذا العطل الجسيم، تأثرت شركة CrowdStrike، والتي تأسست في عام 2011، وتعتبر من الشركات الرائدة عالمياً في مجال أمن المعلومات، وتبلغ قيمتها السوقية 83.4 مليار دولار، وكذلك شركة مايكروسوفت، فلقد تعرض سهم CrowdStrike لهبوط حاد يوم الأزمة بمقدار 11.89% على خلفية تلك المشكلة، وكذلك تعرض سهم مايكروسوفت لنسبة هبوط قد تصل إلى 1.5%. وفي تقرير منفصل، تم نشره على موقع وكالة رويترز، مفاداه أن خسائر الشركات الكبرى جراء هذا العطل قد تصل إلى أكثر من 5.4 مليار دولار.
وبالطبع هذه الأزمة لم تكن الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة. ولكن تلك النوعية من الأزمات هي بمثابة جرس إنذار لنا جمعياً، لأننا في عالم متصل بلا عودة، واعتمادنا على تكنولوجيا المعلومات وتطبيقاتها، هو أمر لا رجعة فيه، وإلا عدنا للقرون الوسطي.
وبالتالي فإن بناء القدرات الوطنية في مجال تطبيقات تكنولوجيا المعلومات، على رأسها تطبيقات الأمن المعلوماتي، هو أمر ليس ضمن أمور الرفاهية في هذا العصر، وهذا لعدة أسباب، منها حماية البنية المعلوماتية الوطنية بأساليب مستحدثة وابتكارية بعيداً عن الاستخدام المحض لتطبيقات الشركات العالمية، التي من الممكن أن تتعرض لخروقات أو مشاكل فنية، لا ناقة لنا فيها ولا جملًا، بما يتسبب في حدوث مشكلة كبيرة مثلما ما حدث في يوم الجمعة التاسع عشر من يوليو، وكذلك لتحقيق مبدأ شديد الأهمية، وهو امتلاكنا لتلك التكنولوجيات يجعلنا أكثر قدرة على امتصاص أي صدمة، ويجعل أنظمتنا الرقمية أكثر مرونة وأماناً، ولضمان عدم حدوث سكتة دماغية لأنظمة معلوماتنا، وهذا بخلاف أن امتلاكنا لتلك التكنولوجيات تجعلنا مؤهلين لتحقيق صادرات تكنولوجية عابرة للحدود، من خلال شركاتنا الوطنية، ومثال CrowdStrike واضح، فهذه الشركة، وإن تعرضت لوعكة، فهي شركة لم تكن موجودة منذ 13 عاماً، ولكنها أصبحت شركة عالمية قيمتها عشرات المليارات من الدولارات وحجم أعمالها السنوي في حدود 3 مليار دولار!
وفي النهاية، أريد أن أؤكد على استخدام التكنولوجيا وتوطينها هو أمر لا رجعة فيه، وأن امتلاكنا للتكنولوجيا هو ما سوف يصنع الفارق، وهذا ما أكده الرئيس السيسي في خطاب التنصيب وفي خطاب تكليف الحكومة الجديدة، باعتبار قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ضمن أهم القطاعات التي ستقود الدولة المصرية لمستقبل أكثر إشراقاً وتطوراً.
د محمد عزام
عضو مجلس إدارة الجمعية الدولية لإدارة التكنولوجيا
استشاري التحول الرقمي
حساب تويتر @mazzam_egy