مقالات الرأى

د. فايد محمد سعيد يكتب: مكانة المرأة في الإسلام: قراءة تاريخية ومعاصر

لطالما كانت قضية المرأة في الإسلام محورًا للجدل والنقاش عبر العصور. بينما يراه البعض مقيدًا لحريات المرأة، يشير التاريخ الإسلامي والنصوص الشرعية إلى أنه قد منحها مكانة رفيعة، وحقوقًا وواجبات متوازنة، مع مراعاة طبيعتها وأدوارها. وفي هذا المقال، نستعرض مكانة المرأة كما رسمها الإسلام في القرآن والسنة، مع تسليط الضوء على نماذج مشرقة من التاريخ الإسلامي وشهادات منصفة من باحثين غربيين. المرأة في القرآن الكريم: مساواة في التكليف والجزاء القرآن الكريم أكد على المساواة بين الرجل والمرأة في الكرامة الإنسانية والمسؤولية الفردية. يقول الله تعالى: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ…” (الإسراء: 70)، وهو خطاب يشمل المرأة والرجل على حد سواء. من جهة أخرى، أكد القرآن على تكافؤ الجزاء والتكليف، فقال تعالى: “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً…” (النحل: 97). هذا التكريم يعكس رؤية الإسلام الشاملة لدور المرأة كشريك كامل في بناء المجتمع. كما منحت الشريعة المرأة حقوقًا في الميراث والزواج والتعليم، وهي حقوق لم تكن مألوفة في مجتمعات الجاهلية أو الحضارات المعاصرة للإسلام. في السنة النبوية: المرأة شقيقة الرجل أبرز النبي ﷺ مكانة المرأة حين قال: “النساء شقائق الرجال” (رواه أحمد وأبو داود). كما أوصى بحسن معاملتها في خطبة الوداع: “استوصوا بالنساء خيرًا…” (رواه البخاري ومسلم). عبر هذه الأحاديث وغيرها، أكد النبي على احترام المرأة وصيانة حقوقها، سواء كانت أمًا، زوجة، أختًا، أو ابنة. نماذج مشرقة من التاريخ الإسلامي 1. في عصر النبوة: • خديجة بنت خويلد: زوجة النبي ﷺ وأول من آمن به. كانت داعمة أساسية للدعوة الإسلامية ماديًا ومعنويًا. • سمية بنت خياط: أول شهيدة في الإسلام، التي قدمت حياتها قربانًا لإيمانها. • أسماء بنت أبي بكر: ساهمت في نجاح الهجرة النبوية بشجاعتها وذكائها. 2. في العصور الإسلامية اللاحقة: • فاطمة الفهرية: أسست جامعة القرويين في المغرب، أقدم جامعة مستمرة في العالم. • رابعة العدوية: رمز الزهد والروحانية الإسلامية. • زينب بنت أحمد الكردية: عالمة حديث، تلقى العلم على يدها العديد من علماء الإسلام. 3. المرأة في الأندلس: تميزت الأندلس بنساء مثقفات وشاعرات، أبرزهن ولادة بنت المستكفي، التي أثرت في الأدب والسياسة على حد سواء. شهادات مستشرقين عن المرأة في الإسلام أثارت مكانة المرأة في الإسلام إعجاب العديد من المستشرقين، منهم: • مونتجمري وات: “الإسلام أعطى المرأة حقوقًا غير مسبوقة، لم تنلها المرأة الأوروبية إلا بعد قرون طويلة.” • كارين أرمسترونغ: “النصوص الإسلامية تحمل عدالة واضحة تجاه المرأة، تظهر تفوق الإسلام مقارنة بغيره من الأديان في هذا الجانب.” • جوستاف لوبون: “دور المرأة المسلمة في الحضارة الإسلامية يبرز بوضوح في العلوم والأدب، وهو ما لم تعرفه أوروبا في العصور الوسطى.” المرأة المسلمة في العصر الحديث تواصل المرأة المسلمة اليوم مسيرتها الرائدة في ميادين العلم والسياسة والمجتمع. فهي أستاذة جامعية، طبيبة، قائدة سياسية، ومبدعة في شتى المجالات. ومن أبرز الأمثلة: • عاليات مسلمات في الجامعات العالمية: يمثلن نموذجًا مشرفًا يجمع بين القيم الإسلامية والتميز الأكاديمي. خاتمة الإسلام أنصف المرأة منذ أكثر من 1400 عام، وأكد على حقوقها وكرامتها في وقت كانت تُعامل فيه باحتقار في كثير من الثقافات. عبر النصوص الشرعية والنماذج التاريخية، يمكننا فهم أن الإسلام قدّم نموذجًا حضاريًا رائدًا. ومع استمرار المرأة المسلمة في الإسهام في بناء المجتمع الحديث، تظل رسالتها الحضارية مستمدة من تعاليم الإسلام وقيمه، التي تؤكد على دورها الأساسي في نهضة الأمة.

زر الذهاب إلى الأعلى