إن أبواب الخير عديدة والإنسان الحقيقي هو الذي يسعى بجد نحو الخير ويحبه للناس، ولذلك فمن القضايا المهمة التي تخدم الفرد والمجتمع والتي لا يستغني عنها أي إنسان قضية النفع العام.
فكل مبادرة تهدف إلى نفع عام وكل عمل تقوم به الدولة يصب في الصالح العام وكل إنسان يسهم بشكل ما في رقي مجتمعه وبناء وطنه ويسهم في الصرح الحضاري هو بمثابة لبنة في صرح النفع العام، والتعاون في المتفق عليه يقود إلى سُلَّم الترقي والبناء، وبناء الحضارات غالبًا ما قام إلا لما ناءت المجتمعات بعيدًا عن التفرقة والتقاتل والتناحر.
وفي الوقت نفسه التفت الإنسانية ـ في مكان ما ـ حول كلمة سواء للبناء والحضارة.
والقرآن الكريم طلب من الإنسانية المشاركة في عمارة الأرض وخلافتها.
والاهتمام بقضية النفع العام يقول الله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيب}[هود: 61]
وضرب القرآن انا أعظم المثل بشأن العمل والخير العام في قصة النبي داوود عليه السلام فقال تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } سورة سبأ الآية 10
ومن شأن تطبيق هذه المعاني أن يعمل الإنسان على عمارة الأرض وتنميتها وحضارتها، حتى ولو لم يعد نفع ذلك عليه، أو كان النفع في العاجل القريب أو البعيد
والرسول الكريم يضرب مثلًا للتأكيد على البناء الحضاري وعمارة الأرض، حتى ولو لم يعد النفع على الغير أو كانت الدنيا أوشكت على النهاية،
فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها.
ومن ثم فإحدى الجوانب المهمة أن يعرف كل فرد من أفراد المجتمع أن عليه واجبات منوطة به، وهي لا تنحصر في الخير الخاص أو النفع العاجل، بل يتخطاه إلى الفضل العام، والثمرة الآجلة.
حينئذ سوف نبدأ في خطى التقدم والرقي والحضارة والبناء، ولا يضير الإنسان ـ وقتئذ ـ أيها بدأ؛ إذ نحن نعيش في كوكب واحد.
أستاذ بجامعة نور مبارك بكازاخستان