د عبد الراضي رضوان يكتب : القُبْلة التي أثارتْ زوبعة الفنجان ..
قُبلةٌ طبعها الأستاذ الدكتور حسام موافي على يد رجل الأعمال محمد أبو العينين
تكشف فداحة خارطة
الخَلل والتشوهات النفسية والعقلية والقِيَميّة والدينية المستحكَمة في بِنْيَة صناعة الرأي العام.
فهذه الكثافة في التناول والاحتشاد والإصرار تُنبئ عن مدى الفراغ الذي يملأ الجوانب والأركان نتيجة غياب مشروع فكريّ للنهضة واستعادة الوعي تلتف حوله النُّخب والفئات بدلا من استهلاك الأوقات والطاقات في افتعال المعارك والقضايا الزائفة حول التعصبات والتحزبات الرياضية والفنية والاجتماعية .
فسائر الأطياف المعرفية والمجتمعية قد سارعت بالإدلاء بدلوها في الحدث بتقديم التحليل النابع من قناعاتها الخاصة والذاتية كي تبرر الحُكم المُسْبَق المصكوك والمكرور في أدبياتها في مثل تلك المواقف دون مراعاة ظرفية تلك الأحكام أو خصوصيتها أو تباينها مع حادثة القُبلة أو مراعاة الاختلاف النَسَقي وكذلك منهجية المعالجة الفكرية والتحليلية المتبناة لدى صاحب هذا التحليل أو ذاك مع طبيعة تلك الحالة.
وكذلك قامت تلك التحليلات المتسارعة على أحادية المنظور التأويلي المستند في جانب من تفسيره على مشروعيته ( المزعومة ) غير القابلة للنقد أو الإبرام أو المناقشة استناداً إلى دعوى امتلاك الصوابية الكاملة في حسن التناول والحقيقة المطلقة في خلاصة الرأي والأحكام .
بينما مثل هذه الظواهر الاجتماعية ظواهر مركّبة محكومة بمؤثرات وعلل متعددة ؛ نفسية وعقلية ودينية واجتماعية ..
وبالتالي تناقضت مواقف الفرقاء وتباينت تبريراتهم على نحو مثير للشفقة :
أولا : النخبة الثقافية حكمتْ بخطأ القُبلة لأمرين : كونها تنافي كبرياء العِلْم ومقام العلماء واعتزازهم الذي يجب أن يعلو ولا يُعلى عليه ؛ لأن الله تعالى هو مَنْ رفعهم إليه عندما استشهد بهم فضلا على سائر البشر للإقرار والشهادة على وحدانيته إلى جانب الملائكة ومن قَبْلهم الذات الإلهية : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط ).
تلك المكانة المخصوصة التي تستهدف الحفاظ على مكانة العلم نفسه وقيمته وليس فقط مكانة العلماء ، كما قال حكيمنا الأديب أبو الحسن الجرجاني :
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم
ولو عظَّموه في النفوس لعُظِّما
الأمر الثاني : شبهة التسلق النفعي إلى المناصب العليا من خلال تملق أطراف معادلة النفوذ والقوة المملوكة لأصحاب السلطة والمال.
ثانياً : خصوم الرجلين أحدهما أو كليهما سواء سياسيا أو تجارياً ، أوالكارهون لهما إنسانياً ، أوالحاقدون على مكانتهما المجتمعية ، أو المكلفون بإنفاذ أجندة أولئك جميعهم أو فريق منهم.
كلُّ أولئك قد سارعوا إلى تخطئة الطرفين معا أو أحدهما مع توجيه اتهامات شتى تُدِين إدانات دامغة وتغلق كل باب لتفسير شارح يلتمس عذراً أو مبررا إنسانيا أو اجتماعيا أو نفسيا ، فليس لدى أولئك سوى هدف التشويه ومحاولة الحصر في علاقة المصلحة القائمة بينهما التي قادت إلى هذا الموقف الذي تلاشت فيه دلائل عزة العلماء وتواضع أهل الثراء الجامعين بين السُلطة والمال.
ثالثا : الحواريون والمنتفعون والأُجراءُ قدَّموا كلَّ التبريرات وطرحوا جداول من فضائل الأعمال والسلوك المؤيدة للواقعة سواء أكانت تستدعيها أم لا .
رابعا : أهل الأعراف ممن لم تستقطبه فئة من الفئات الثلاثة تباينت تفسيراتهم ومواقفهم كلٌّ بحسب خلفيته الثقافية ومزاجيته التي لا تشكِّل موقفا مستقلا يمكن تمييزه عن المواقف السابقة.
وقد فات كلُّ أولئك وأولئك مراعاة المقام الذي يمثل في تراثنا العربي أساساً معيارياً للحكم على بلاغة الكلام والأفعال ، فالبلاغة بناء على ذلك الأساس هي : ( مراعاة المقام لمقتضى الحال ).
فالمقام الذي انطبعت فيه القُبلة التي أثارت الزوبعة ليس مسرحاً سياسيا أو حزبيا أو انتخابيا أو دعائيا ، إنما هو مناسبة اجتماعية لوالد مبتهج بعقد قران ابنته ومُمتن
للمدعوين الذين شاركوه فرحته وفي مقدمتهم رجل الأعمال الذي قام خطيبا متحدثا عن مكانة الدكتور حسام موافي العلمية والإعلامية مما استدعى هذا التعبير العفوي عن الامتنان من جانب الأب حسام موافى المبتهج بعرس ابنته وبثناء رجل الأعمال عليه.