أخبار ومتابعاتمقالات الرأى

د/ عبد الراضي رضوان يكتب : الذكاء الاصطناعي ثورة العصر الرقمية والتحديات الدينية والأخلاقية

متابعات يوتوبيا

الذكاء الاصطناعي هو أحد أهم مستحدثات الثورة الرقمية والتقنية الحاسوبية التي تمكن الإنسان بواسطتها من الإفادة من الكم الهائل من المعلومات والبيانات التي يتم تخزينها في ذاكرة الحاسبات الإليكترونية أو أجهزة الأندرويد من خلال تصميم الأنظمة الخوارزمية التي تقوم بعمليات التنسيق والتنظيم والترتيب لتلك المعلومات ترتيبا إحصائيا أو زمنيا أو موضوعيا بما يمكن معه تحليلها واستخلاص النتائج التي كانت تستدعي الأزمنة الطويلة والجهود الكبيرة والطاقات الوفيرة لأعداد غفيرة من البشر.
وقد أصبح الذكاء الاصطناعي أَوْلى المنجزات التقنية الحديثة بالنظر الديني فقهياً وأخلاقياً وتربويا التماساً لنبراسٍ مرشد وملزم من القيم والأحكام الواجبة تجاه مجالات توظيف الذكاء الاصطناعي والإفادة منه ، وذلك للأسباب التالية :

أولا : أن الدين نفسه علومه وأصوله وفروعه قد أصبحت مجالاً من مجالات توظيف الذكاء الاصطناعي إيجابياً نفعيا وكذلك سلبياً هَدْمياً .
فالجانب الإيجابي يتم الانتفاع بالذكاء الاصطناعي كما تم في الحاسب الآلي : ١. حفظاً للقرآن الكريم صوتاً وحرفاً ورسماً بقراءاته وتفسيراته وأحكامه وعلومه وناسخه ومنسوخه وأسباب تنزيله وترجمات معانيه وفهرسة آياته وكلماته ،
٢. حفظاً للسنة النبوية ورجالها ومسانيدها وصحيحها وموضوعها وضعيفها وجرحها وتعديلها .
٣. أرشفة الفتاوى الفقهية قديمها وحديثها على اختلاف مذاهبها والمقارنة بينها لاستخلاص الأقوى حجة ودلالة ومعاصرة وفقها للواقع.
٤. التوجيه الفقهي والإرشاد الدعوي بالتواصل الآلي مع المتلقي وإجابة استفساراته وتساؤلاته استناداً إلى النصوص القرآنية والحديثية والفتاوى الفقهية.
٥. اللغة العربية التي هي لغة القرآن وشعار الإسلام والتي أصبحت لغة اساسية مستهدفة ببرامج الذكاء الاصطناعي استعمالا وتخزينا وبحثا .
أما الجانب السلبي الهدمي فيتمثل فيما يتم في ( غُرف الصدى ) ، ( الصوامع الإيديولوجية ) من عمليات حشد المطاعن في الدين وإثارة الشبهات والمزاعم المدعومة بالمرويات المنزوعة من سياقاتها والمشفوعة بالابتزاز النفسي والعاطفي والمعتمدة على الجهل الديني لدى الضحية ونقص المقدرة الحجاجية والاستدلالية لديه ، مما يترتب عليه فتح باب النزاعات وتعميق الصراعات الملية والطائفية والمذهبية وتسهيل ولوج باب الإلحاد وتسفيه العبادات ومسائل الإيمان وإزدراء الأديان.

ثانيا : استخدامات الذكاء الاصطناعي في مجال التعليم أو البحث العلمي الأكاديمي للحصول على الدرجات العلمية والوظيفية دون أهلية صاحبها واستحقاقه المستمد من التراكم المعرفي نتيجة البحث الذاتي والمنهجي والاطلاع والدربة العقلية على الاستدلال والتحليل والاستنباط وفق مناهج البحث المعروفة في مجال الاستدلال على الحقيقة إن كانت معلومة أو اكتشافها إن كانت مجهولة.

وتكون الفائدة كبيرة لكنها غير موثوقة في مجال التعليم والتعلم لأن المحتوى التعليمي الواسع والكبير والمتنوع والشامل لكل المجالات لا يستطيع أحد أن يضمنه أو يأمنه .

بالإضافة إلى توظيفه غير المشروع في مجال الغش بالامتحانات والاختبارات والمقابلات الوظيفية.

ثالثاً : الاستخدام اليومي الحياتي لعموم الناس في مجال الاستعلام والوصول إلى الأماكن والمدن والشوارع من خلال برامج المواقع الجغرافية الموصول بالأقمار الصناعية ، وكذلك المساعدة في الوصول إلى ماينشده المواطنون من منتجات وسلع ووظائف وخدمات من خلال البحث في وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها.

رابعا : القدرة على التحكم في إدارة المؤسسات والمنشآت والهيئات بما يهدد أنظمتها وقيمها وتقاليدها وأمنها .
خامساُ : تهديد الخصوصيات الشخصية وحقوق الإنسان وحياته الاجتماعية من خلال المراقبة الجماعية المفروضة عليه بواسطة برامج الذكاء الاصطناعي المفروضة على أجهزة البحث الحاسوبي والهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي وكل الأنظمة والمعاملات المرتبطة بالإنترنت

سادساً : شن الهجمات الرقمية لتعطيل حركة المطارات والموانئ أو البنوك والمستشفيات والأنظمة الإدارية وأجهزة البث التلفزيوني والإذاعي والاتصالات الهاتفية.

سابعاً : سباق التسلح في مجالات الذكاء الاصطناعي والتي تقود إلى الحروب التدميرية العالمية سواء نووية أم غير نووية ، وذلك من خلال التوجيه الذاتي للأسلحة التي تعمل دون قيادة بشرية كالطائرات والغواصات والزوارق والطوربيدات والسيارات والروبوتات .

ثامناً : الاحتيال الاوتوماتيكي بإنشاء الحسابات الإليكترونية المزيفة والروابط الإليكترونية والمواقع لسرقة المعلومات واختراق الأنظمة والبرامج ، وكذلك بإنشاء الحسابات البنكية الوهمية لسحب الأرصدة من البنوك وإيداعها في تلك الحسابات ثم التصرف من خلالها سَحْباً وتحويلا لحسابات أخرى.

تاسعاً : التزييف والتضليل المعلوماتي من خلال إنشاء المحتويات التي تخلط بين الحقيقة والخيال بواسطة الذكاء الاصطناعي التوليدي ، مما قد يترتب عليه :
١. تشويه السمعة الشخصية للأفراد والطوائف والخوض في الأعراض وانتهاك الحرمات وقد يترتب عليه إلحاق الضرر والأذى المادي أو المعنوي والنفسي أو القانوني.
٢. تهديد الهويات المجتمعية والدينية والوطنية
٣. تعطيل برامج ومشروعات التنمية المستدامة والخطط العاجلة
٤. دفع متخذي القرار والمسؤولين إلى اتخاذ قرارات ببدء الحروب وشن الهجمات الدفاعية.
عاشرا : القتل الآلي إما بتوجيه السيارات الذكية دون قائد أو من خلال الربوتات التعليمية أو العلاجية

حادي عشر : عدم تحديد المسؤولية القانونية في الذكاء الاصطناعي ، ففى حالة الروبوت أو السيارة تتوزع المسؤولية بين البرنامج و المبرمج والشركة المنتجة .

ولكل ذلك فإن الحكم الديني يختلف ويتباين حسب كل توظيف لبرامج الذكاء الاصطناعي من جهة وحسب نتائجه وما يترتب عليه من جهة أخرى.
ويدور الحكم في ذلك مع القاعدتين العامتين التي تحكمان الأشياء والمكتشفات والمستحدثات والمنجزات المستجدة وهما :
١. الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص بالتحريم أو التقييد
٢. لا ضرر ولا ضرار
وبالتالي فإن كانت بعض توظيفات الذكاء الاصطناعي تدخل في باب الضروريات أو الحاجيات أو المباحات أو التحسينات.
فإن بقيتها يتفاوت حكمها بين المكروه والمحرّم لأنه يتضمن جانباً من كبائر الأعمال كالغش والتزوير والسرقة والسب والقذف والقتل.

زر الذهاب إلى الأعلى