جامعة القاهرة ثاني أقدم الجامعات المصرية، والثالثة عربيًّا بعد جامعة الأزهر وجامعة القرويين، وبصدور تصنيف QS للاستدامة لعام 2024م ـ الذي أسفر عن وصول 7 جامعات مصرية لقائمة أفضل 1000 جامعة على مستوى العالم ـ جاءت جامعة القاهرة بالمرتبة (330 عالميًا)، والمرتبة (12) عربيًّا، وجاء ذلك إثر التفعيل الحقيقي لميثاق الأخلاق الذي صدر عن السيد رئيس جامعة القاهرة، ولعله ـ بهذا الميثاق ـ تفتح جامعة القاهرة العريقة المجال لنواة مهمة نحو تأسيس مواثيق مماثلة لكافة المؤسسات الحكومية والخاصة، وأتمنى أن يستمر التفعيل الحقيقي لمباديء وثيقة جامعة القاهرة ـ بين الطلاب والعاملين بالجامعة وأعضاء هيئة التدريس ـ والمتضمنة ضرورة تفعيل القيم الجامعية، التى يجب أن يتحلى بها أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم، والقيم الأخلاقية للبحث العلمى، مثل: الالتزامات والضوابط الأخلاقية لفريق البحث، والمباديء الأخلاقية العامة لإجراء البحوث على البشر، والمباديء الأساسية لرعاية واستخدام الحيوانات فى الأغراض العلمية، والواجبات والمسئوليات التى يجب أن يلتزم بها عضو هيئة التدريس، والحقوق التى يتمتع بها، والقوانين المنظمة التى يخضع لها.
وهذه المحددات من القيم الأخلاقية توجه سلوك كافة الأفراد بالجامعة، إيمانًا من الجامعة بأن الأخلاق عنصر أساس في ضمان استدامة الحضارات، وأن الأخلاق بمفهومها العام هي الركيزة الأساسية في حياة الأمم، والموجه الرئيس للسلوك الإنساني والإجتماعي والتربوي نحو التضامن والمساواة والتعايش والإحترام المتبادل.
وهذا بدور يحتم ضروة مفادها وجود ميثاق مماثل يحكم علاقات المجتمع، وهنا لا أقصد أبدًا ميثاقًا مكتوبًا، بل أقصد أن تعود المرجعية الأخلاقية لتحكم سلوك الأفراد بالمجتمع، وليست مرجعية القانون، فالمصريون تحكمهم حزمة من الأعراف والتقاليد القومية والسلوكية لعقود طويلة، وكانت بمثابة المرجعية الأساسية التي تحكم تصرفاتهم وترتب أولوياتهم، وكانت تحظى بتقديس الجميع على نفس القدر من القداسة الدينية لديهم.
وهذا يؤكد ضرورة أن تكون الأخلاق هي المحرك الرئيس لأي عمل مرتبط بالعلاقات الإنسانية بين الأفراد، سواء داخل الأسرة وعلاقات أفرادها، أو علاقة الطالب بالمدرس أو أستاذه بالجامعة وزملائه، أو أية علاقة إنسانية ترتبط بها تقدم المجتمع وازدهاره، وأقصد تحديدًا أن يكون ميثاق الأخلاق هو المحرك وليس القانون فقط، أو طرق التفكير السائدة التي تحكمها البيروقراطية بشكل كبير.
ومن ناحية أخرى نجد أن ركيزة التعليم إحدى الركائز المهمة لإحداث التطوير التنموي في المجتمع؛ لأن المجتمعات تقوم على ركيزة العلم الذي يقود المجتمع إلى الرقي والحضارة.
أعتقد أنه لو تم العمل على ترجمة موسعة لرؤية فخامة الرئيس عبد لفتاح السيسي بخصوص التوافق المجتمعي، التي ألمسها في كافة اجتماعاته بمجلس تنمية المجتمع، والتي تعكس إيمان سيادته بضرورة وجود اتفاق ضمني على مجموعة محددة من القيم الأخلاقية والسلوكية تكون هي الحاكمة لتصرفات الأفراد وسلوكهم، لا شك سيتحقق التوافق المجتمعي الذي نسعى إليه طويلًا في أسرع وقت.
وهذا يدعونا للتأكيد على نقطة أخرى مهمة، ربما تكون هي نقطة الارتكاز لتحقيق التوافق المجتمعي المرجو، وهي كيف نرى أنفسنا، وكيف نرى الآخر ويرانا، فالتصالح مع النفس كبداية، يمكن أن يمثل نقطة الإرتكاز لفهم الآخر واحترامه.
وستظل قضية التوافق المجتمعي مرتطبة ارتباطًا وثيقًا بميثاق الأعراف المجتمعية، التي تمثل اتفاقًا غير مكتوبٍ من الخيوط الحريرية، التي تُعد القلادة المزينة لأخلاق المجتمع، والتي ترسخ قيم المواطنة، وتعزز الهوية المصرية.
أ.م.د/ راندا رزق
أستاذ الإعلام التربوي بجامعة القاهرة