د. راندا رزق تكتب: القيم الجمالية للمسرح
يظل العقل الواعي في محاولة لربط الفنون العلمية بواقع المجتمع، ففي دول أوربا قدمت دراسة لاستكشاف حجم الأثر التربوي للمسرح، ففي رسالة علمية بعنوان: “المسرح كوسيلة للتربية الأخلاقية والتنشئة الاجتماعية في تنمية ناوفو بإلينوي 1839 – 1845” (وهي مدينة أمريكية)، نجد وصفا لممارسة باكرة للمسرح التنموي تُظهِرُ كيفية استخدامه لترويج التنمية الأيديولوجية والمدنية في الولايات المتحدة، وقد قامت منظمات عديدة باستثمار المسرح كأداة للتنمية؛ للتعليم أو الدعاية كعلاج، وكأداة تشاركية أو استكشافية في التنمية.
ولا يمكننا أن نغفل المقولة التي خلَّدها التاريخ قيل إن قائلها هو الكاتب الكبير والشاعر وليام شكسبير، ويقال أيضًا: إن الفيلسوف اليونانى أفلاطون هو أول من تفوه بها وهي: “أعطني مسرحًا وخبزًا أعطيك شعبًا عظيمًا” ولسنا نبحث عن القائل الحقيقى لها، ولكن ما يهمنا إزاء هذه الجملة هو المعنى الحقيقي الذي تضيفه.
ويمكننا أن نضيف مقولة أخرى للفيلسوف والمسرحى الفرنسى فولتير، وهي قوله: “فى المسرح وحده تجتمع الأمة ويتكون فكر الشباب وذوقه، وإلى المسرح يفد الأجانب ليتعلموا لغتنا لا مكان فيه لحكمة ضارة ولا تعبير عن أية أحاسيس جديرة بالتقدير إلا كان مصحوبا بالتصفيق؛ إنه مدرسة دائمة لتعلم الفضيلة”.
وإذا كان المسرح وسيلة من وسائل التأثير في المجتمع، ويمكن من خلال هذا المنطلق السعي إلى إمكانية توظيف تقنيات المسرح التنموي كآلية لخلق علاقة مباشرة مع الجمهور لمواجهة قضاياه، وإدماجه في العرض المسرحي ليكتشف ذاته ومشكلاته الاجتماعية، وليجعله جزءًا من حل المشكلة.
وقد نشأ المسرح تاريخيًا كطقس يحاكي سلوك البشر معبِّرًا عن طبيعة حياتهم اليومية، ولعل الأنماط المسرحية القائمة على تطوير المجتمعات وتنميتها وإحداث التغيير الاجتماعي والثقافي والاقتصادي بها هي ما ينبغي أن تحول محل عناية وموطن تقدير، ومن أمثلتها، المسرح التفاعلي أو التحفيزي، وإن كان من الممكن أن نرصد التأثير المباشر لظهور هذه الصيغة المسرحية بربطها بظهور المجتمعات المدنية الحديثة التي باتت تبحث عن سبل جديدة موازية لمكافحة مشكلات العالم والتصدي للقضايا التي خلقتها العولمة.
ومن المؤكد أن القيم تُعطي للفرد خصوصية اجتماعية قادرة على تهيئته للتفاعل والانسجام الاجتماعي، وتُعد مصدرًا مُهمًا في تحديد نوعية السلوك والدوافع التي تقف وراء ذلك السلوك، وهذا يؤكد أهمية القيم الجمالية في النص المسرحي، بحالته السمعية والبصرية والنصية، فمجمل هذه التقنيات تدخل في صلب عملية تحقيق القيم الجمالية القادرة على تكوين الصور الجمالية التي تكشف عن الطبيعة ولكن بأسلوب فني لا يبتعد عن الواقع؛ وهذا يتطلب في قالبه الجمالي والفنيّ الذي يدعم الجانب التربوي والتعليمي للمسرح، ويظلُّ المسرح ـ بالقيم الجمالية ـ نموذجًا موجودًا للمساهمة في القيم الحضارية للفرد والمجتمع.