د راندا رزق تكتب: الرواية الغنائية .. الأوبرا
متابعات يوتوبيا
في قانون المصطلحات الفنية يطلق على الرواية الغنائية كلمة الأوبرا ، وهي أحد أنواع المسرح الذي يجمع بين سبعة فنون وهي: الشعر والموسيقي والغناء والباليه والديكور والفن التشكيلي والتمثيل، إذ يتم فيه عرض الحكايات والقصص الدرامية من خلال الموسيقي والغناء.
وتاريخيًّا ظهرت الأوبرا في أول أمرها بطابع ديني ؛ إذ ترجع نشأتها إلى رجال الدين بالكنيسة في إيطاليا عام 1600م لما أنشدوا ما يسمي بالمدائحيات، وهي عبارة عن أناشيد دينية ممزوجة بالموسيقي وتقام داخل الكنيسة، وتعتبر أول أشكال المسرح الموسيقي كما صرح “فيتوباندولفي” في “تاريخ المسرح”، ثم تطور الأمر وخرجوا لإقامتها بباحات الكنائس، ثم إلى ساحات شعبية، يعرضون فيها تمثيليات دينية تحكي عن الجنة والجحيم مستخدمين في ذلك مقاطع وأبيات شعرية مؤلفه وممزوجة بالموسيقي، ولما اشتدت شعلة هذا الفن في القرنين الخامس والسادس عشر الميلاديين بدأت تقام حفلات الأوبرا في قصور النبلاء وعلية القوم، وحينها تطور هذا الفن إذ أدخلوا علي مسرحه ديكورات لا تقتصر علي الرسم وفقط بل بالنحت والنقش أيضًا مع طابع هندسي وألوانا مختارة بعناية بحيث تكسب المسرح شكلا فنيا وجمالا كقيمة ما يقدم عليه، إلى جانب ذلك الإضاءة المناسبة كما وأخلوا أيضًا أوركسترا موسيقية في عروض الأوبرا ودرسوا علاقات تتعلق بدخول الأوركسترا مع النص الأوبرالي أثناء العرض المسرحي، كل هذا وأكثر جعل من فن الأوبرا فنا شعبيا يأثر النفس ويمس الوجدان فيضفي عليه جمالا كجماله، وأصبح هذا اللون المسرحي فنا وله تعاليم خاصة به وقواعد كعدم المشي علي مسرح الأوبرا إلا لضرورة وتعاليم خاصة بالنطق واللفظ كما اهتم هواة هذا الفن بدراسة نوع الإضاءة المناسبة للمسرح وموضوع القصة المقدمة وكذلك استخدام المرايا.
ومن المدون في تاريخ الفن الصوتي أن مسرحية “دافني” عام 1597 تُعدّ أول مسرحية أوبرالية لجاكوبو بيري، والتي جرت في طياتها انتشارا واسعا لفن الأوبرا فنقلت من إيطاليا إلى بلاد أخري أوروبية كألمانيا وإنجلترا وفرنسا، لكن ظلت الأوبرا الإيطالية هي مصدر إلهام كل من مارسوا هذا الفن في أرجاء البلاد.
ووفقا لتعبير الكاتب الفرنسي رومان رولا فإن الأوبرا لم تكن أبدا فنًّا جديدًا أو مبتكرًا، وإنما هي فن قديم، ولكنه خضع لتطور وتحديث بطيئين مما أدى إلى ظهورها جذبها لكل هذه الشعبية، وساعد علي ذلك “فاكنر” الذي سعي لتحقيق الامتزاج الكامل بين فنون الموسيقي والدراما، مع وجود توازن كافي بينهم طبعا، ثم أتي من بعده “ريتشارد اشترأوس” الذي يعد وريثا لفاكنر في أوبرا “سالومي” و”إلكترا”، وأيضًا من ضمن المسرحيات الأوبرإلىة الألمانية مسرحية التي اشتهرت وكان لها ذيع مسرحية “الزوجات الطروبات من ويندسور” لنيكولاي ومسرحية “مارتا” لفوتو، و”لولو” لبيرغ.
وممن تحدثوا عن الأوبرا د. ثروت عكاشة في موسوعته المنشورة باسم “موسوعة تاريخ الفن” قائلا: “تلاقت الفنون جميعها في كل من نموذجي الأوبرا والباليه، غير أنها لم تصل لمرتبة التكامل والتوازن الرائعة، فكثيرا ما كانت الموسيقي تطغى على التمثيل في الأوبرا، وأحيانا يحدث العكس، وقد أخذت الفنون التشكيلية فيها مكان الصدارة مرات وتراجعت مرات أخري، وفي أوبرات “الإخراج المسرحي الكبير” طغت المشاهد الدرامية علي ما سواها كما فعل “مييزبير” في أوبرا “الهيوجونوت”، حيث دارت مذبحة “سان بارتلميو” التاريخية ضمن ديكور مسرحي هائل صممه فنانون تشكيليون، ونجح “فاجنر” في أن يعطي مثلا رائعا في لوحدة الفنون جميعها في عمل فني شامل، كما جمعت فرقة “ديا جيليف” للباليه الروسي في العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين أكبر فناني العصر في الموسيقى والتصوير والرقص مثل “سترافنسكي” و”رافل” و”داريوس ميلو” و”بيكاسو” و”باكست” و”جونتشاروفا” و”فوكين” و”آنا بافلوفا” وغيرهم. وقد جنح “بروكوفييف” إلى إبراز مشهد السوق المزدحم بالرائحين والغادين في باليه “زهرة من صخر” ومنحه اهتماما أكبر من اهتمامه بابراز حركة الرقص.
ومع شهرة الأوبرا قديمًا إلا أنها لم تندثر ولم تتراجع، وظلت في تطوير بعد تطوير إلى أن وصلت بشكلها الحالي، ومن أمثلة ذلك دور الأوبرا القديمة التي ما زالت تشع بفنها: دار أوبرا “لا سكالا” بمدينة ميلانو الإيطالية المبني عام 1778 ، ودار “لينكولن سنتر” بمدينة نيويورك الأمريكية، وفي بنائها تجمع بين جمال المعمار وحسن ملامح جدرانها كما أنها من أجنل بنايات نيويورك، وكذلك أوبرا “سيدني أوبرا هأوس” في سيدني باسترإلىا، التي شيدت عام 1973، و”رويال أوبرا هاوس” بانجلترا وهو أحد معالمها التاريخية ومن أقدم بناياتها الحضارية وفيه عروض للأوبرا إلى جانب بعض عروض الباليه الملكي، ودار ” تياترو كولون” الواقع في مدينة بوينس آريس بالأرجنتين، حيث يبلغ عمر هذا المسرح أكثر من قرن كامل، ويكفي لاستضافة أكثر من 2000 شخص، ومازال مركزا فنيا وثقافيا حافلا بالعطاء دار “تياترو دي سان كارلو” المبني عام 1737، ودار “ڤيينا ستاتسوبير” بمدينة فيينا بالنمسا، المشيد عام 1869، ومع أنه دمر خلال القصف الذي شهدته مدينة فيينا في الحرب العالمية الثانية إلا أنه رمم من جديد، ودار “كوبنهاجن أوبرا هاوس” الذي بني حديثا بالدنمارك وهو دار الأوبرا القومي لدي الدنمارك.
ومن ثم فالرواية الغنائية تطورت لترتسم عبر المسامع لتجمع بين النص الأوبرالي الذي يقدم معلومات ويطور الحبكة الدرامية في شكل غنائي، والمقطوعة الغنائية المطولة المعبرةعن المشاعر الشخصية، والذي يدور بأسلوب في الغناء يركز على جمال النغمة والمهارة الفنية يعبر عنه مصطلح بل كانتو ، ويمزج بمقطوعة موسيقية قصيرة تقدم بعض الأفكار والأماكن والشخصيات، ويعبر عنه مصطلح ليتموتيف.