
يمر الإنسان بمراحل حياتية تجوب في نير الضعف تارة وآفاق القوة والبناء تارة أخرى، ومن ثم يتعاهد الإنسان نفسه للمضي قدمًا في معترك الحياة دون خوف أو وجل.
وإذا كان بناء القدرات هو الوسيلة الوحيدة لتعزيز التنافس العالمي وزيادة النمو الاقتصادي القائم على المعرفة؛ فإنه بمثابة ركن مهم لنجاح التنمية المطلوبة؛ والرؤية المعاصرة تستنفر الهمم لمواكب العقول مع مستجدات العصر، وتتلاءم مع الحوار الحضاري لكل الفئات المثقفة؛ ومن ثم فالتدريب المستمر، والتعرف على علوم ومعارف أصبحت من ضروريات العصر ضرورة لبناء القدرات، وفِي كل وقت يتأكد لنا بقوة أن تكوين العقول وبناء الإنسان هو بناء للأوطان، وأن الوطن يبنى بالعقول الرشيدة والسواعد القوية.
لا ريب أن ضمان العطاء الكافي والاستخدام الرشيد المكافئ للموارد هو بمثابة بنية أصيلة تضمن الوجود والاستخدام المستدام والمثالي لكل الموارد، بغية التطوير والتنمية.
والوازع الديني يحرك البحث نحو الوعي المثالي والتنمية وبناء القدرات، والتي هى مستقاة من مهمة سيدنا آدم في بدء الخلق؛ حيث جعله الله تعالى خليفة في الأرض، وبتعاقب الأزمان يأتي سيدنا صالح ليوجه الأنظار نحو هذه التنمية المفروضة فيقول: ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ﴾ سورة هود الآية(61)، وهذه الوصية كانت تعبيرًا عن واقع قومه، وخبرًا يُرى وأثرًا يروى، يقول الله تعالى ﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ سورة الشعراء الآيات (146 ـ 150)
ثم يختم الوحي الإلهي برسالة النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديثه عن هذا الجانب كما في قوله: “ما من مسلمٍ يغرسُ غرسًا أو يَزْرَعُ زَرْعا فيأكلُ منه طيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ إلاَّ كان له به صدقة” ـ أخرجه البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك، وهذا الحديث يصور الحقيقة الكائنة في رؤية المؤمنين لعمل الإنسان كما في قوله تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ سورة التوبة الآية (105)
أضف إلى هذا أن الحضارة المصرية كانت ولا تزال مثار دهشة وعجب لكل ناظر أو قارئ، والتنقيب عن هذه الحضارة ونشرها للعالمين يحفز الشعور نحو الوصول للأكرم، والتفكير في المضي قدما نحو غدٍ أفضل ببعد مستقبلي، ابتغاء الوفاء بالواجب الديني والوطني بعمل مفيد وجاد، وفكر رشيد، وذلك ببناء القدرات.