مقالات الرأى

د خالد غانم يكتب: الحوار السَّلِس

من متممات الوصايا الإسلامية المسطورة الحرص على لين الجانب والأسلوب الجميل، والحديث الغض الطريّ.
إذ كيف يفتح المرء بابا للحوار مع الآخر وهو عبوس الوجه ومتجهم الملامح، وجهير الصوت غاضبا، وهل يسمع له أحد ـ من كان هذا حاله ـ أو ينصت ويكترث.
لننظر إلى هدي القرآن في خطابه مع أهل الكتاب، « دعاهم الإسلام إلى الحوار الهاديء، ودفعهم إلى البحث عن الحقيقة عن طريق الفكر المنزه عن الهوى: { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُون ).
كما خاطبهم في كثير من المواطن بأسلوب هاديء يجمع بين خطاب العقل والعاطفة، حى يهديهم إلى الصواب، وقد كثرت أساليب النداء في القرآن بالصيغ المحببة إلى أنفسهم: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ } ، { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِين }
وأثنى القرآن على طوائف من بني إسرائيل، قال ـ تعالى ـ { وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُون ) { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُون )
كما امتدح حواري المسيح في مواطن شتى، منها صدعهم بالحق في مواطن الشدة حين قال المسيح لأمته: {…. مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُون ).
وقد أمر أتباع محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يتأسوا بهؤلاء الأبرار، قال ـ تعالى ـ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِين }.
هذه صورة من موقف الإسلام من أهل الكتاب » ، والخطاب الإلهي الذي يحمل كل معاني الاستمالة القلبية والعقلية لهم، إضافة إلى الأسلوب الهاديء والسلس البادي في دعوة القرآن وحديثه عن أهل الكتاب.
يقينا جوانب الإنصاف والموضوعية في رأينا للغير وحديثنا، نجد القرآن لنا هاديا ومرشدا، كما هو مستفاد من الآيات السالفة الذكر.
إذا كان هذا خطاب الله ـ تعالى ـ وحديثه عن أهل الكتاب بهذه الروعة والإعجاز البياني فلم لا نتأسى به في حوارنا مع الغير؟!!
المؤمن سهل لين، ولا يقنط الناس أو يعنفهم، ويقدِّم كل ألوان السلاسة في الحوار، والهوادة في الحديث وعرض وجهات النظر، ويسعى لأن يأْلَف ويُؤْلَف،
أما من يناقض الفطرة ويخالف المنهج المحمود، فهو عن الحق بعيد، وعن السلوك الحميد متنائي، ويحسبون أنهم مهتدون!!

زر الذهاب إلى الأعلى