مقالات الرأى

د. إسماعيل ابو النيل يكتب: النفس البشرية ما بين تأديب الذات وجلد الذات

في خضم السعي نحو تطوير الذات وتحقيق النجاح، قد يقع البعض في فخ جلد الذات بدلاً من تأديبها. على الرغم من أن كلا المفهومين يشير إلى علاقة الإنسان بذاته، إلا أن الأول يميل إلى الهدم والتدمير النفسي، بينما الثاني يركز على البناء والتطوير. فما هو جلد الذات إذن؟ وما هو تأديب الذات؟ وكيف يمكن التمييز بينهما؟ وما هي الأضرار النفسية والاجتماعية الناتجة عن جلد الذات؟ والأهم كيف يمكن تجاوزه والعودة إلى علاقة صحية مع النفس؟

ماهية جلد الذات وتأديب الذات: يعد جلد الذات هو النقد المستمر والقاسي للذات دون النظر إلى الإنجازات أو الإيجابيات. ويشعر الشخص الذي يجلد ذاته بأنه غير كافٍ، ويعيش في دوامة من المقارنة بالآخرين واللوم المبالغ فيه. وغالباً ما يكون هذا السلوك ناتجاً عن ضعف الثقة بالنفس أو تجارب حياتية سلبية تركت آثاراً عميقة.

أما تأديب الذات فهو على النقيض، إذ يعد عملية واعية تهدف إلى تحسين السلوك والأداء. فيقوم الشخص بمراجعة أفعاله بشكل عقلاني، معترفاً بنجاحاته وأخطائه على حد سواء، دون الوقوع في فخ التحقير أو التقليل من الذات.

وبالتالي فإن السلبيات الناشئة عن جلد الذات تتمثل في تدهور الصحة النفسية، إذ يؤدي جلد الذات إلى الشعور المستمر بالذنب والاكتئاب والقلق. بالإضافة الى ذلك ضعف الثقة بالنفس، حيث يعيش الشخص في دوامة من المقارنة السلبية بالآخرين، مما يقلل من شعوره بالكفاءة والقدرة. بالإضافة إلى فقدان العلاقات الاجتماعية، حيث تنعكس جلد الذات على العلاقات الاجتماعية، فيصبح الشخص انعزالياً أو مفرط الحساسية تجاه النقد. وأخيرا انخفاض الإنتاجية، إذ يؤدي التركيز على الأخطاء إلى فقدان الحافز وانخفاض الأداء في العمل أو الدراسة.

ويأتي السؤال الأهم عن كيفية العلاج والتغلب على جلد الذات: لكي يتم مواجهة جلد الذات فإنه يتطلب ما يلي:
1. التعرف على المشكلة: أي تحديد الأسباب الكامنة وراء جلد الذات.
2. إعادة صياغة التفكير السلبي: أي استبدال الأفكار السلبية بأخرى إيجابية، مثل التركيز على الإنجازات بدلاً من الإخفاقات.
3. التوقف عن المقارنة بالآخرين: إذ يجب أن يدرك الشخص أن لكل فرد رحلة خاصة، ولا جدوى من مقارنة الذات بآخرين لديهم ظروف مختلفة.
4. تعلم تقدير الذات: أي كتابة قائمة بالإنجازات والصفات الإيجابية حيث يمكن أن يساعد ذلك في تعزيز الثقة بالنفس.
5. ممارسة التأمل والاسترخاء: إذ يساعد التأمل على تهدئة العقل والتركيز على الحاضر بدلاً من الغرق في التفكير السلبي.
6. الاستعانة بمتخصص: فإذا استمر جلد الذات في السيطرة على حياة الفرد، فإن اللجوء إلى معالج نفسي يمكن أن يكون حلاً فعالاً.

وعليه فإن التمييز بين جلد الذات وتأديب الذات هو الخطوة الأولى نحو بناء علاقة صحية مع النفس. وبينما يدمر جلد الذات الثقة بالنفس ويعوق التقدم، فإن تأديب الذات يمهد الطريق للتطور الشخصي والنجاح. لذا، علينا أن نكون رفقاء بذواتنا، وأن نستبدل النقد القاسي بالتوجيه الإيجابي، لأننا جميعاً نستحق التقدير والحب، بدءاً من أنفسنا.

زر الذهاب إلى الأعلى