د. أسامة شاهين يكتب: التنمية الإدارية وتأثيرها علي الأنظمة الصحية الناشئة
تعتبر التنمية الإدارية ركيزة أساسية لتطوير وتحسين الأنظمة الصحية، خاصة في البلدان الناشئة التي تواجه تحديات كبيرة في تقديم خدمات صحية عالية الجودة. تعمل التنمية الإدارية على تحسين الكفاءة التشغيلية، وتعزيز الجودة، وضمان تقديم خدمات صحية مستدامة وشاملة. هذه المقالة تستعرض أهمية التنمية الإدارية في القطاع الصحي باستخدام أمثلة وإحصائيات من بلدان مختلفة.
تتلخص أهمية التنمية الإدارية في القطاع الصحي في عدة جوانب اولها تحسين الكفاءة التشغيلية حيث يعتبر تحقيق الكفاءة التشغيلية هدفاً رئيسياً للتنمية الإدارية. في الهند، مثلاً، تبنت وزارة الصحة نظامًا لإدارة المخزون الدوائي باستخدام التكنولوجيا الرقمية، مما أسفر عن تخفيض الفاقد في الأدوية بنسبة 20٪ في عام 2020. هذا النوع من الإدارة الذكية يساعد في تقليل النفقات وزيادة فعالية الموارد الصحية.
بالاضافة الي تعزيز الجودة في الخدمات الصحية
تساهم التنمية الإدارية في رفع مستوى الجودة في الخدمات الصحية. ومثال علي ذلك أطلقت الحكومة بجنوب أفريقيا، برنامجًا شاملاً لتدريب المديرين والمشرفين الصحيين على إدارة المستشفيات والمراكز الصحية بكفاءة أكبر. ووفقًا لدراسة أجرتها وزارة الصحة الجنوب أفريقية، تحسنت نسبة رضا المرضى عن الخدمات الصحية بنسبة 15٪ في عام 2021 بعد تنفيذ هذا البرنامج.
كذلك رواند والتي تعتبر نموذجًا في إفريقيا، أظهرت كيف يمكن للتنمية الإدارية أن تحول نظامًا صحيًا كاملاً. بعد الإبادة الجماعية في عام 1994، كانت رواندا بحاجة ماسة لإعادة بناء نظامها الصحي. من خلال الاستثمارات الكبيرة في الإدارة الصحية، وبناء قدرات العاملين، وتحسين البنية التحتية، ارتفعت نسبة التغطية الصحية للسكان من 7٪ في عام 2000 إلى 90٪ في عام 2018. اما البرازيل فتبنت نظامًا صحيًا موحدًا يعرف بـ “SUS” يهدف إلى تقديم خدمات صحية شاملة ومجانية لجميع المواطنين. بفضل التنمية الإدارية الجيدة، نجحت البرازيل في خفض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة من 53.7 لكل 1000 مولود حي في عام 1990 إلى 14.9 في عام 2019. يبرز هذا المثال كيف يمكن للإدارة الفعالة أن تؤدي إلى تحسينات كبيرة في الصحة العامة.
ومثال اخر حيث أسفرت التنمية الإدارية للقطاع الصحي في مصر عن تحقيق تحسينات ملموسة في الخدمات الصحية. حيث تم تطوير البنية التحتية للمستشفيات وتحديث نظم إدارة المرضى، مما أسهم في زيادة فعالية وكفاءة الرعاية الطبية. بالإضافة إلى ذلك، تم تنفيذ السجلات الصحية الرقمية وتوسيع الوصول إلى الرعاية الصحية في المناطق الريفية والمحرومة، مما عزز من قدرة النظام الصحي على الاستجابة للاحتياجات المتزايدة للسكان وتحسين الصحة العامة بشكل شامل.
وتجدر الاشارة هنا الي البيانات الصادرة من منظمة الصحة العالمية WHO تشير إلى أن البلدان التي تستثمر في التنمية الإدارية في القطاع الصحي تحقق نتائج أفضل بكثير في عدة مؤشرات صحية. على سبيل المثال، في البلدان ذات الدخل المتوسط والمنخفض التي خصصت موارد لتنمية الإدارة الصحية، لوحظ انخفاض في معدلات وفيات الأمهات بنسبة تصل إلى 40٪.
علي الجانب الاخر يجب الاخذ في الاعتبار الي وجود بعض التحديات والتي تعيق تحقيق التنمية الإدارية حيث تواجه البلدان الناشئة عدة تحديات في تحقيق التنمية الإدارية الفعالة في القطاع الصحي، منها نقص الموارد المالية، والفساد الإداري، ونقص الكفاءات البشرية المؤهلة. في نيجيريا، على سبيل المثال، يظل الفساد الإداري عقبة كبيرة أمام تحسين الخدمات الصحية، حيث تشير التقارير إلى أن نسبة كبيرة من الميزانية الصحية تذهب إلى الأنشطة غير الشرعية. ولمواجهة هذه التحديات، يمكن تبني عدة استراتيجيات اولها
التدريب المستمر والاستثمار في تطوير مهارات العاملين الصحيين والمديرين واطلاعهم على أحدث ممارسات الإدارة. ثانيا الشفافية والمساءلة وتعزيز آليات الرقابة لضمان استخدام الموارد بفعالية.ثالثا استخدام التكنولوجيا وتبني الأنظمة الرقمية في إدارة الخدمات الصحية لتحسين الكفاءة وتقليل الهدر.
وفي الختام، نود ان نؤكد ان التنمية الإدارية تلعب دورًا حاسمًا في تحسين الأنظمة الصحية الناشئة. من خلال تحسين الكفاءة التشغيلية، وتعزيز الجودة، وضمان استدامة الخدمات الصحية، يمكن للبلدان تحقيق تحسينات كبيرة في صحة مواطنيها. الأمثلة من رواندا والبرازيل وغيرها تظهر كيف يمكن للتنمية الإدارية الفعالة أن تحول الأنظمة الصحية وتحقق نتائج إيجابية. من الضروري أن تستمر البلدان الناشئة في الاستثمار في الإدارة الصحية لمواجهة التحديات المستقبلية وضمان تقديم خدمات صحية ذات جودة عالية للجميع.