مقالات للرأي

اللواء يحي عبد الكريم يكتب: الشائعات والرأي العام … بين التمكين والتحصين

تمثل الشائعات ظاهرة من الظواهر الاجتماعية الخطيرة، المنتشرة في المجتمعات المختلفة، وهي متلازمة إنسانية تطورت عبر التاريخ، وتعد من قبيل الحروب النفسية، التي تنتشر في ظل التوترات الاجتماعية، السياسية، والاقتصادية، وتسري لتحقيق مستهدفات مطلقيها ومروجيها في تضليل الرأي العام، وإثارة الفتن، وشق الصف المجتمعي، وتؤسس لحالات من عدم الاستقرار والاضطراب، وشحن الوضع الداخلي، وتتسم بسرعة انتشارها، خاصة في عصر التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي.
وشهدت الساحة المصرية على مر الأوقات، لا سيما أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، والإطاحة بنظام الإخوان الإرهابي، عديد الشائعات مختلفة المجالات، تطلقها قوى خارجية وعملائهم في الداخل، تطال المجالات الصحية، الاقتصادية، السياسية، الأمنية، وغيرهم من المجالات، وتستهدف تحقيق مبتغى مطلقيها في زعزعة الداخل المصري، والتأثير على الحكام والمحكومين في آن واحد.
ومن أخطر الشائعات التي مرت بالدولة المصرية، شائعة مد الخدمة العسكرية فبراير عام 1986 المعروفة بأحداث الامن المركزي، أحداث الفتن الطائفية وأخطرها يونيو 1981 المعروفة بأحداث الزاوية الحمراء، الشائعات المحركة لبعض أحداث يناير 2011 وما بعدها، حتى بوقتنا الحالي كشائعات بيع قناة السويس، والأراضي المصرية في رأس الحكمة ورأس بانياس، وكذا شائعة ما يُسمى بصفقة القرن.
ولسنا بصدد تناول شائعات بعينها وتفنيدها، وإنما الإشارة تنويرياً إلى ماهية الشائعات، وأهدافها، وماهية الرأي العام، وكيفية تحصينه من سهام الشائعات، وحكم الدين فيها، والمواجهة القانونية لها.
ويمكن تعريف الشائعة، بكونها أمر يذاع بين الناس دون أساس في غالبية الأحيان، ويهدف إلى إثارة البلبلة والفتن، والتأثير سلباً في معنويات الناس لتحقيق غايات معينة، ومنها تشكيل آراء ومعتقدات، وتصورات الناس عن موضوعات بعينها، والتلاعب بالرأي العام، وإحداث الفوضى.
وتتعدد البواعث المحركة لإطلاق الشائعات، حسب الغرض من إطلاقها وترويجها، ما بين فردية شخصية، إلى عمدية مدبرة من أجهزة وتنظيمات، داخلية كانت أو خارجية، ومن أخص تلك الدوافع ما يلي:-
1. التلهف والفضول إلى المعرفة، والبحث عن الحقائق، دون النظر إلى مدى جدية ومصداقية مصادر المعلومات.
2. تحقيق الرضاء الذاتي لشخص يستشعر دونيته، أو الغيرة ممن قد يمتلك مقومات، لا تتوافر لدى مطلق الشائعة.
3. إثارة الخوف والقلق والفتن، والنعرات الطائفية أو القبلية، ونشر الحسد والحقد بين الفئات المجتمعية.
4. زعزعة الاستقرار والحالة الأمنية، من خلال تضليل الرأي العام، وإضعاف الحالة المعنوية للخصوم، وإشاعة الإحباط في نفوسهم، بقصد تيسير هزيمتهم دون المواجهات المباشرة.
5. استدراج الخصوم للافصاح عن حقائق مخفاة، بإطلاق الشائعات التي تحملهم على البوح بما يسترونه من معلومات.
6. التشكيك في مصداقية الخصوم، وزعزعة الثقة فيهم، بما يقلل من هيبتهم بين أقرانهم وخصومهم على حد سواء.
7. قياس توجهات الرأي العام حيال أمور ما، يتم الإعداد لإصدار قرارات بشأنها، أياً كان مجالها.
8. استمالة جمهور المتابعين لوسائل الإعلام، بطريق نشر أخبار ومعلومات أياً كان صحة مصدرها، بقصد زيادة التوزيع أو نسب المشاهدة والمتابعة، لتلك الوسائل الإعلامية.
وتمكين الشائعات من الرأي العام، وإحداث التأثير المنشود فيه، يستلزم توافر سمات في تلك الشائعات ومنها:
1. البساطة والوضوح، فالشائعات البسيطة السهلة الفهم،تكون أكثر قابلية للانتشار.
2. التحفيز العاطفي، فالشائعات التي تستغل العواطف مثل الخوف، الغضب، أو الفرح، تجعلها محلاً للتفاعل القوي.
3. التكرار، كلما تكررت الشائعة، زادت احتمالية تصديقها، لأنه يخلق الإحساس بالثقة حول الموضوع.
4. مجهولة المصدر، انتشار الشائعات من مصادر غير موثوقة أو مجهولة، يصعب دحضها، أو التحقق من صحتها.
5. التأثير المستطرق، تتسم الشائعات بقدرتها على الانتشار والاستطراق، كنتيجة لميل الناس إلى التأثر بآراء المحيطين بهم، فقد يتبنى آخرون هذه الآراء لمجرد أنهم سمعوها من شخص مقرب، أو موثوق به لديهم.
6. استخدام التقنيات ومواقع التواصل الاجتماعي، تنطلق الشائعات على أوسع نطاق وبسرعة شديدة، من خلال منصات التواصل الاجتماعي مثل (فيسبوك – تويتر أو X – واتساب …. الخ).
7. استثمار الأزمات والأحداث المثيرة، تنشط الشائعات وتنتشر في أوقات الأزمات أو الأحداث الكبيرة، وتؤثر في الرأي العام، إذ تدفع تلك الأحداث الناس للبحث عن تفسيرات أو معلومات، في ظل ندرة وغموض الأخبار المتناولة لها.
ونشير إلى أن الرأي العام، هو مجموعة الآراء والمعتقدات التي يتبناها أفراد المجتمع حول موضوع معين، في مجال ما، ويعكس الرأي العام الاتجاهات السائدة في المجتمع، ويعبر عن وجهات نظر الناس حول موضوعات معينة.
ومواجهة الشائعات وتحصين الرأي العام من آثارها، تتطلب جهودًا واعية من الأفراد والمجتمعات والمؤسسات المختلفة، لتحقيق مناعة وطنية تجهض مخططات المغرضين، الساعين للنيل من لُحمتها وتماسكها، ويمكن اتباع عدة استراتيجيات فعالة، منها:
1. تعزيز القيم الدينية لدى أفراد المجتمع، بما يقربهم من تعاليم الدين وأحكامه، التي ترتقي بالأخلاقيات والضمائر إلى أعلى مستوياتها.
2. ترسيخ مفاهيم الانتماء الوطني، وتضمينها المناهج التعليمية، والممارسات الوظيفية، لتقوية المناعة الوطنية ضد خطر الشائعات.
3. التأكيد على دور وسائل الإعلام المختلفة، والإليكترونية منها، واستخدامها في المبادأة بتقديم الأخبار الصادقة، وكشف الحقائق وانتهاج الشفافية لاستجلاء ماهية الوقائع والأحداث، بصورة سريعة وواسعة الانتشار.
4. إعداد برامج تأهيلية توعوية، لتعميق دور الأسرة، في تربية أفراد ذوي قيم وأخلاقيات، تسهم في قدرتهم على الفرز والتجنيب، لدحض الشائعات ومنع انتشارها.
5. مد جسور الثقة بين المواطنين والمسئولين، من خلال المصارحة والمكاشفة، فيما يرغبون في الحصول عليه من معلومات واستفسارات، بشأن القضايا محل اهتمامهم.
6. التوعية القانونية، لدى أفراد المجتمع، بالعقوبات المقررة للشائعات ومطلقيها، ومروجيها.
7. اضطلاع الأجهزة الأمنية بتتبع مصادر الشائعات ومروجيها، واتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم
وتظل تعاليم الدين وأحكامه، هي الحصن الحصين، الذي يأوي إليه الناس، ليجدوا فيه المنعة من سموم الشائعات وتداعياتها، التي حرم الله عز وجل ترويجها وإشاعتها، وتوعد القائمين عليها بعذاب أليم، فقد قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بحهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)، وقال تعالى (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون).
وتضمن قانون العقوبات في المواد أرقام (80 (د) – 102 مكرر–188) نصوصاً تبين الأفعال والأعمال التي يُعاقب مقترفوها بالجزاءات القانونية التي تتراوح بين الحبس والسجن مدداً تصل إلى خمس سنوات مع الغرامة لكل منها.
ونهيب بالسلطة التشريعية، سن قوانين مشددة تغلظ العقوبة على إطلاق الشائعات، وترويجها، ونناشد السلطة القضائية ألا تأخذهم رأفة حيال المتهمين في تلك القضاياُ متى نهض الدليل على ارتكابهم إياها، ونطالب السلطة التنفيذية بكافة مؤسساتها بتعزيز سبل التعاون فيما بينهم، والاضطلاع بمهامهم في التصدي لخطر الشائعات، على وحدة وتماسك نسيج المجتمع المصري.
والله من وراء القصد.

لواء/ يحيى عبد الكريم

زر الذهاب إلى الأعلى