أخبار ومتابعات
الرميحي: نقص التشريعات والفساد الإداري والجهاز الحكومي عقبات أمام التنمية
كتبت: هناء السيد
أكد المتحدثون في الجلسة الأولى للمنتدى العالمي الثالث لثقافة السلام العادل الذي أقامته مؤسسة عبدالعزيز البابطين الثقافية والتي أقيمت تحت عنوان “السلام والتنمية السياسية” والتي أدارها باقتدار الوزير المصري السابق د. علي الدين هلال على ضرورة وقف النزاعات والصراعات وتحسين الأداء الحكومي وتحقيق التنمية الإدارية لمؤسسات الدولة.
وقال السير طوني بالدري من إنجلترا، “نعيش في عالم يشهد ارتفاعًا حادًا في درجات الحرارة على كوكبنا وانتشارًا للنزاعات، وأصبحت التهديدات المستمرة لانتشار الأمراض والأوبئة جزءًا لا يتجزأ من واقعنا. بالإضافة إلى ذلك، تظهر الأهداف التنموية المستدامة التي تم الاتفاق عليها في عام 2015 عرضة للفشل بنسبة 85٪، حيث يشهد العالم ازديادًا في النزاعات في العديد من المناطق، مما يهدد المكاسب التنموية التي تحققت في العقود الأخيرة، كما يعاني الجميع من تأثيرات تغير المناخ وفقدان الطبيعة، ولكن السكان في البلدان النامية هم من يشعرون بتلك التأثيرات بشكل أكبر، خاصة في ظل ما شهدناه من زيادة في هشاشة الدول الناشئة نتيجة لاتساع رقعة النزاعات وزيادتها”.
وأضاف، كان انتشار النزاعات وحالة انعدام الأمن المصاحبة لها خلال عام 2022 من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى الوصول إلى مستويات قياسية من التدهور في قطاع الأمن الغذائي لما يقرب من 117 مليون نسمة في 19 دولة مختلفة من دول العالم، ويُتوقع بالإضافة إلى ذلك أن يعيش ما يقرب من ثلثي الفقراء – المنتشرين في العديد من بقاع العالم – في دول قد تتسم بأنها دول هشة ومنهارة أو في دول تشهد انتشارًا للنزاعات والصراعات بشتى أنواعها. إضافة إلى ذلك، تشير الدراسات إلى أن الدول التي تتسم بأنها ذات اقتصاد ضعيف وهش تُظهر ميلًا نحو ارتفاع حجم الديون المتراكمة عليها، وهو الأمر الذي سيزيد من مستويات ضعفها وهشاشتها. أضف إلى ذلك كله العديد من التحديات الديموغرافية التي تتسبب في وضع ضغوط أكبر على كاهل تلك الدول، ومنها على سبيل المثال لا الحصر؛ الارتفاعات المتوقعة في معدلات النمو السكاني في سكان منطقة جنوب الصحراء الكبرى في قارة إفريقيا الذين سوف يصل عددهم إلى 2.8 مليار نسمة بين عامي 2020 و 2060. أضف على هذا أيضًا التغيرات المناخية الحادة واتساع رقعة النزاعات والصراعات التي تؤدي بشكل أساسي إلى النزوح القسري للعديد من السكان في تلك المناطق، كما تشير الدراسات إلى أن أربعة من كل خمسة أشخاص يعيشون في بلدان تعاني من أزمات طويلة الأمد خلال عام 2022.
وشدد على ضرورة أن نتساءل حول الإجراءات التي يمكن اتباعها لاستعادة السلطة التي كانت تتمتع بها الأمم المتحدة، خاصة وأنه من الصعب أن نرى دورًا ملحوظًا للأمم المتحدة في حل نزاعٍ أو أزمة ما خلال السنوات الأخيرة. ينبغي لنا أن ندرك أنه لا يوجد بلد أو نظام حكومي لديه الحق الحصري في التخفيف من حدة الفقر المتفشي في العديد من البقاع في العالم، وقد نجحت الصين على سبيل المثال في انتشال أكثر من 800 مليون نسمة من حالة الفقر التي كانوا يعيشون فيها على مدار الأربعين عامًا الماضية، حيث يمثل المال أمرًا ذا قدر كبير من الأهمية بالنسبة للعديد من البلدان النامية.
وبين أن هناك حاجة ملحة لتطوير أشكال جديدة من التمويل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والاستجابة للتحديات التي تفرضها التغيرات المناخية المتزايدة، ويتطلب ذلك إجراء إصلاحات كبيرة في النظام المالي العالمي، إلا أنه لا يمكن للبلدان ببساطة أن تتجاوز التزاماتها المتزايدة تجاه الديون، على أمل الحصول على دعم من صندوق النقد الدولي أو على أمل تخفيف ديونها من قِبل دولٍ مثل الصين.
وقال، هناك العديد من “التصدعات” المتزايدة التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي، مما أدى إلى تشظيه وتفتته، كما أن هناك خطر بدأ يتزايد بشكل كبير وملحوظ ويتمثل في تعرض الاقتصاد العالمي إلى حالة من الانقسام إلى كتلتين، ويمكن أن تكون التكلفة الاقتصادية نتيجة وقوع حرب باردة على الصعيد الاقتصادي من هذا النوع ذات آثار كبيرة، مُهَدِّدةً بذلك الاستقرار الاقتصادي والأمن الغذائي على مستوًى واسع النطاق، كما أن هناك حاجة ماسّة إلى التخفيف الكمّي في حجم التمويل الدولي، وأن يتم توجيه رأس المال الخاص إلى الدول ذات الدخل المنخفض أو المتوسط، ويجب إجراء مزيد من الإصلاحات في المؤسسات المالية الدولية، وتعزيز تعبئة المزيد من رأس المال الخاص لصالح الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، يجب أن يشهد صندوق النقد الدولي حالة من التطور في سبيل تلبية احتياجات الدول الأكثر فقرًا، كما أن هناك حاجة ملحة إلى تعزيز تعبئة وتوجيه المزيد من رأس المال في القطاع الخاص نحو المساعدة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
و تناول الدكتور محمد الرميحي، في ورقته لمنتدى السلام العادل من أجل التنمية شكل المجتمع وأهدافه العامة والمنهجية المتبعة لتسكين الوظائف العامة، وتقييم الأداء دوريًّا، والتنسيق بين الوزارات والجهات المختلفة، وضمان تحقيق كفاءة وفاعلية الإنفاق العام وغيرها من القواعد للمجتمع.
وحدد الدكتور الرميحي عددًا من الأهداف العامة والتي من أهمها: ضمان تنفيذ المستهدفات التنموية التي توافق عليها الحكومة، وتحقيق أكبر قدر من التنسيق بين الوزارات والجهات المختلفة، وقياس أثر البرامج التنموية التي تنفذها الحكومة على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، كما أشار إلى ضرورة مراحل المتابعة والتي قسّمها إلى ثلاث مراحل، وجاءت على النحو الآتي: “مرحلة التخطيط، ومرحلة المتابعة، ومرحلة التقييم.
وتابع: كما تناول بعض البرامج التي من شأنها تحسين الأداء الحكومي وتحقيق التنمية الإدارية لمؤسسات الدولة، وجاء في مقدمة هذه البرامج برنامج الحكومة الإلكترونية، وبرنامج التميز في الأداء الحكومي، كما أشار إلى برنامج إعادة هيكلة القوى العاملة والجهاز التنفيذي للدولة، وبرنامج الأجندة الاقتصادية، وأخيرًا برنامج عمل الحكومة.
وأوضح الرميحي أن بعض العقبات التي تقف عائقًا أمام شكل المجتمع وأهدافه العامة والتي منها: نقص التشريعات، والفساد الإداري رغم محاولات محاربته، ما أشار إلى بعض العقبات لكفاءة الجهاز الحكومي، ومنها: جودة المعلومات التي تصل إلى صانع القرار، والتي يجب التأكد من دقة هذه المعلومات ومصداقيتها، وخلق بيئة فعالة لتنشيط القطاع الخاص من أجل تعظيم مساهمته في الدخل الوطني.
وتركزت كلمة د. اربين سي سي من ألبانيا على محورين السلام والتنمية السياسية والمشاركة الشعبية والتنمية، وقد أكد بكلمته على أن الدور الذي يلعبه ربط المشاركة الشعبية بتحقيق التنمية والتكامل فيما بينهما بصورة جلية وواضحة خلال القرن الحادي والعشرين على أنه نموذج أساسيٌّ لخلق مجتمعات شاملة ومستدامة وعادلة، وتؤكد هذه الحقبة، التي تتسم بالعديد من التحديات والفرص غير المسبوقة، على الدور الكبير والحيوي الذي يلعبه إشراك المجتمعات المحلية وانخراطها في عملية صنع القرار، لا سيما وأنه يمكن اعتبار هذه المشاركة عملية متعددة الأوجه.
وشدد على أن مسألة المشاركة الشعبية قضية محوريةً خلال القرن الحادي والعشرين، خاصة فيما يتعلق بالاعتراف بالاحتياجات والطموحات المتنوعة لسكان العالم وتلبيتها؛ ففي ظل تسارع موجة العولمة وانطلاق قطار التقدم التكنولوجي بسرعة فائقة، وجدت المجتمعات نفسها أمام العديد من التحديات المعقدة مثل التغيرات المناخية، وتفشي الأوبئة، والفجوات الاقتصادية. تُمَكّنُ عملية صنع القرار الشاملة المجتمعات من الإسهام بوجهات نظر فريدة من نوعها وبقدر كبير من المعرفة والخبرات المحلية والوطنية، وهو ما يضمن بدوره أن تكون مشروعات التنمية دقيقة ومحددة السياق ولها القدرة على أن تستجيب للحقائق على أرض الواقع.
ومن مصر قال د. معتز سلامة، “تعتبر المشاركة الشعبية أساسيةً لأجل تحقيق التنمية، كما تساعد التنمية على تعزيز المشاركة الشعبية، لذلك تتضمن تعريفات كل من المشاركة الشعبية والتنمية عناصر مشتركة. وبقدر ما تكتسب المشاركة الشعبية أهميتها للتنمية، فإن التنمية تشكل وعاءً حاضنًا وحافزًا على المشاركة. وإدراكًا لطبيعة هذه العلاقة التبادلية بين المشاركة والتنمية، فقد برز مفهوم التنمية بالمشاركة”.
وأكد سلامة على دور المشاركة الشعبية في تعزيز ممارسات الحكم الرشيد، ودورها في ترشيد القرارات وترتيب الأولويات وتحقيق إدارة كفء للموارد الوطنية، على نحو يسهم في تحقيق الاستقرار السياسي، ما يساعد على الحماية من الاضطرابات في حال مواجهة خطة التنمية بعراقيل وعثرات ناتجة عن عوامل خارجية مفاجئة. كما تؤكد على أن مشاركة المواطنين تسهم في استعدادهم لتحمل مسؤولية صنع القرارات الخاصة بالتنمية وتسهل عمليات تنفيذ الخطط والبرامج، من خلال المساهمة في: تنظيم الجدل العام وتحديد الأولويات الوطنية، والتدريب على الديمقراطية وبناء حواضن مؤسسية للفكر الوطني، وصناعة الرؤى والاستراتيجيات ومتابعة تنفيذ الخطط والبرامج، وبناء الكوادر السياسية وصناعة قادة المستقبل، والارتقاء بمستوى السعادة الوطنية.
وتوقع استمرار ضعف وضعية الدول العربية على مؤشرات المشاركة الشعبية يخصم من طاقاتها في عملية التنمية، وتسلط الضوء على المعادلة الصعبة التي أبرزتها سنوات ما بعد الثورات العربية منذ 2011، والخاصة بإشكالية: توسيع المشاركة الشعبية مع عدم تهديد الأمن القومي، وكيفية ممارسة الديمقراطية من دون تهديد الدولة الوطنية.