أخبار ومتابعاتفلسطينمنوعات

* الدكتورة حنان بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية، خلال زيارتها للأرض الفلسطينية المحتلة*

كتبت هناء السيد

 

قامت الدكتورة حنان بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية،

 

لزياره للأرض الفلسطينية المحتلة*

 

* وصرحت عقب الزياره قائله عدتُ للتو من الأرض الفلسطينية المحتلة، حيث زرتُ الضفة الغربية، وأيضًا القدس الشرقية وجنين وغزة.

 

إن الوضع في غزة مثيرٌ للقلق على المستوى الإنساني من جهة، وعلى مستوى أعمال المساعدة الإنسانية أيضًا. ولقد شاهدتُ بنفسي حجم الدمار الهائل؛ فرأيت أشخاصًا أتت عليها الشدائدُ وأرهقت أرواحهم، ومنازل صارت أطلالاً وخرابًا، ومستشفيات مكتظة، ومدينةً مدمرة كليًا. إن النقصَ الحاد في الوقود زاد الوضع سوءا و يعرض جميع العمليات الصحية والإنسانية للخطر بل ويقوضها.

 

الشوارع المدمرة تجري فيها مياهُ الصرف الصحي و تتراكم في أنحائها القمامة، التي تفوح رائحتها الكريهة من جراء أسابيع من التراكم و التخمر في كل مكان. وهذا الوضعُ هو البيئة المثالية لانتشار الأمراض، و سبب في الزيادة المضطردة لحالات الإسهال المائي الحاد والعدوى التنفسية الحادة و غيرهم من الأمراض التي تم رصدها من بداية التصعد العسكري.

 

من أهم المخاطر التي تواجهها غزة اليوم هو انهيار القانون والنظام و العدوان و العنفَ المستمر. هذه عوامل تزيد في تدمير مدينةً منهارة ومحطمة وتخلق بيئةً شديدة الخطورة، ليس على العاملين في المجال الإنساني فحسب، ولكن على كل شخصٍ في غزة أيضًا.

 

وعلاوة على ذلك، فإن انهيار القانون والنظام يجعل التصدي للعنف القائم على النوع الاجتماعي أمرًا شبه مستحيل، مما يعرض الفلسطينيين النازحين للمزيد من المخاطر المُهددة لحياتهم.

 

في أثناء زيارتي، التقيتُ بموظفي منظمة الصحة العالمية في غزة، وكثير منهم من الموظفين المحليين الذين عانو خسائر بالغة ومعاناة شديدة القسوة على المستوى الشخصي. وعلى الرغم من تلك التحديات، فإنهم يواصلون المخاطرة بحياتهم من أجل إيصال الوقود والإمدادات الطبية إلى المستشفيات، ونقل المرضى إلى بر الأمان والرعاية، ساعين للتغلب على ما يجابههم من تأخيرات وعقبات بسبب الحرب القائمة.

 

ونتيجة لتصاعد الأعمال العدائية وتزايد الاحتياجات في غزة و أيضا في الضفة من بعد 7 أكتوبر، وسعت منظمةُ الصحة العالميةُ أعمالها و بالذات إهتمامها بسلسلة إمدادها الطبي لغزة و نقل المرضى. ومع ذلك، فإن قاسمًا كبيرًا من هذه المساعدات لا يزال عالقًا على الحدود، ممنوعًا من الدخول لمن هم في أمس الحاجة إليه، ولا يصل إلى غزة سوى جزء ضئيل منها وحتى إذا دخلت الإمدادات إلى غزة، فإن انهيار القانون وغياب النظام يصعِّبان على فرقنا إيصالها إلى المستشفيات رغم أنها بحاجة إليها على وجه السرعة.

أما بالنسبة للمرضى فإن هناك أعداد كبيرة بحاجة الى رعاية صحية و لا يجدونها.

 

وزرتُ أيضًا المستشفى الميداني التابع للهيئة الطبية الدولية في دير البلح، ذلك المستشفى الذي اضطر لتغيير مكانه مرتين وضاعف قدرته الاستيعابية ثلاث مرات خلال الأشهر القليلة الماضية. وهناك، قابلتُ جنى ابنة السبع سنوات، تلك الفتاة التي تعاني من حالة سوء تغذية حاد، وقد تم إجلاؤها من مستشفى كمال عدوان في الشمالِ قبل ثلاثة أشهر، ولا تزال تنتظر الإجلاء خارج غزة. وجنى حالة واحدة من أكثر من 10000 مريض بحاجة إلى رعاية متخصصة خارج القطاع، ولكنهم ما زالوا غير قادرين على الخروج لتلقيها منذ 7 أيار/ مايو. وأما حالاتهم فهي بين الإصابات الشديدة والأمراض المزمنة وغيرها.

 

في اجتماعاتي مع مهند هادي، نائب المنسق الخاص للأمم المتحدة والمنسق المقيم للشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، وتور وينسلاند، المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، اتفقنا على الحاجة إلى اتخاذ إجراءات فورية للتخفيف من المعاناة في غزة.

 

• نحن بحاجة إلى أن تفي الدول الأعضاء بولايتها الدبلوماسية العالمية وأن تدفع نحو إقرار هدنة فورية وتعجل بذلك.

• ونحتاج إلى فتح جميع الحدود، وخاصة معبر رفح، والسماح بتدفق الوقود والإمدادات الطبية وغيرها من المساعدات الإنسانية الأساسية.

• ونحتاج إلى تمكين أولئك المحتاجين إلى رعاية طبية من مغادرة القطاع وتلقي الرعاية اللازمة.

 

وفيما قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وعلى الرغم من الحاجة إلى استصدار تصاريح، كان بمقدور سكان غزة طلب الرعاية الطبية في الضفة الغربية، وحتى القدس الشرقية. ولابد من استعادة إمكانية الحصول على هذه الرعاية. ويجب أيضًا السماح بخروج من يحتاجون إلى رعاية طبية في بلدان أخرى، دون مزيد من التأخير.

 

إن سكان غزة بحاجة إلى ما هو أكثر من الغذاء والماء والدواء – فهم بحاجة إلى الحماية والسلام والأمن والكرامة. ولقد قال لي أحد الرجال: “إننا نتوق إلى وقف إطلاق النار، لنحصل على فرصة للعيش دون خوف.”

 

وقالت لي امرأة إن لديها سؤالاً واحدًا تريد من العالم الإجابة عليه. ثم أردفت: “هل تعتبروننا بشرًا؟”، وكررت سؤالها ثلاث مرات.

 

وخلال زيارتي التي استمرت أحد عشر يومًا، سافرتُ إلى الضفة الغربية، حيث شاهدتُ تدهورًا سريعًا في الوضع الصحي. في مستشفى جنين العام وعيادة الأونروا، علمتُ كيف تودي الهجمات المتكررة بحياة العاملين في المجال الصحي أو تسبب إصابتهم، ورأيتُ الأضرار الواسعة التي لَحِقَت بالبنية التحتية والمعدات الطبية.

 

ونظرًا لتضرر الطرق وتقييد إمكانية الوصول، أنشأت منظمة الصحة العالمية وشركاؤها، وفيهم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، خدمات طبية متنقلة للوصول إلى الناس في مكان الإصابة.

 

وعلاوة على ذلك، دعمت منظمةُ الصحة العالمية التدريبَ على إدارة الإصابات الجماعية وتخطيط الاستجابة لها في مستشفى جنين العام وستة مستشفيات أخرى في الضفة الغربية. ويظل هدفنا هو توفير رعاية سلسة وفعالة للإصابات الشديدة والرضوح على جميع المستويات، بناءً على الدروس المستفادة من غزة.

 

وبينما ندعم حق جميع الفلسطينيين في الصحة، فإن علينا أيضًا العمل على تعزيز الأنظمة الصحية الهشة بالفعل في البلدان المجاورة، وخاصة الأردن ولبنان وسوريا.

 

وإنه ليساورنا قلق شديد بشأن تصاعد العنف على طول الحدود بين لبنان وإسرائيل، الأمر الذي تسبب في زيادة الوفيات والإصابات بين المدنيين والعاملين في المجال الصحي، وكذلك زيادة النزوح، والأضرار التي لَحِقَت بالبنية التحتية الصحية.

 

وبكل أسف وأسى، نشأت أجيال كاملة في إقليمنا لا تعرف شيئًا سوى الصراع والحرمان. وستظل معالجة الأسباب السياسية الجذرية لحالات الطوارئ هذه ليست مجرد ضرورة إنسانية، بل إنها استثمار استراتيجي في الاستقرار والأمن الإقليميين.

زر الذهاب إلى الأعلى