اجتماعات الدورة الاعتيادية ال٤٨ لمجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية
كتبت هناء السيد
انطلقت اليوم الثلاثاء بالقاهرة اجتماعات الدورة الاعتيادية ال٤٨ لمجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية تحت رعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومشاركة دولة الكويت ممثلة في محافظ بنك الكويت المركزي باسل الهارون.
وقال رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي في كلمته خلال الجلسة الإفتتاحية إن انعقاد فعاليات هذه الدورة يأتي في ظل ظروف إقليمية ودولية شديدة التعقيد حيث تتشابك تداعيات الأزمات المتلاحقة مع التطورات والاضطرابات الجيوسياسية لتلقي بظلالها على العديد من مناحي الحياة ولتضع حكومات الدول لاسيما في منطقتنا العربية أمام تحديات غير تقليدية.
وأضاف مدبولي أن هذه التحديات تستلزم التعامل بأساليب ومناهج مستحدثة تأخذ في اعتبارها مختلف العوامل والمؤثرات والمتغيرات ولا تغفل في الوقت ذاته البعد الاجتماعي مع ضرورة التنسيق والتعاون الوثيق فيما بين القائمين على رسم السياسات الاقتصادية من جهة والمؤسسات المالية الإقليمية والدولية من جهة أخرى.
وأشار إلى أن تلك التوترات أسفرت عن اتساع رقعة الموجات التضخمية بما استلزم معه إحداث تغييرات ملموسة في ترتيب أولويات السياسات الاقتصادية وعلى رأسها السياسة النقدية التي عمدت إلى الاتجاه نحو إجراء رفع متلاحق لأسعار الفائدة في سبيل كبح معدلات التضخم.
ولفت إلى أن هذا الأمر كان له انعكاساته غير المواتية على النمو الاقتصادي وتمويل التنمية في معظم الدول النامية واقتصادات الأسواق الناشئة لاسيما في ظل فجوة الاستثمارات المطلوبة لتحقيق أهداف استراتيجية التنمية المستدامة 2030 والتي قدرت بحوالي 4 تريليونات دولار أمريكي بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
وتطرق مدبولي لما هو متوقع في أسواق العمل نتيجة التغيرات والتطورات المتسارعة في التقنيات الإلكترونية الحديثة مبينا في هذا الصدد أنه من المتوقع أن تشهد هذه الأسواق بعض التحولات الجذرية حيث يشير صندوق النقد الدولي إلى احتمالية تأثر ما نسبته نحو 40 في المائة من الوظائف التقليدية على مستوى العالم بتزايد الاعتماد على تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
وأضاف أنه على الرغم من كل تلك التحديات والمتغيرات المتلاحقة فإنه يمكن القول إن الاقتصاد العالمي قد أظهر صلابة وتماسكا أمام الوقوع في دائرة الركود الاقتصادي بعد إقدام البنوك المركزية في أنحاء العالم على رفع أسعار الفائدة لاحتواء التضخم.
وتابع “وبغض النظر عن آثار ذلك على أداء العديد من القطاعات الاقتصادية خاصة نشاط التجارة الدولية إلا أننا ننظر بتفاؤل حذر في إمكانية استقرار وتحسن أداء الاقتصاد العالمي”.
وأكد رئيس الوزراء المصري أن إحداث تحول حقيقي في اقتصادات دول المنطقة العربية يرتكز بالضرورة على تحقيق طفرات واسعة في قطاع الاستثمار والإسراع في وتيرة التحول في استخدام الطاقة وذلك بالتوازي مع السعي نحو تحقيق الأهداف التنموية .
وأوضح أن هذا الأمر يتطلب بالتبعية انتهاج حزمة من الإجراءات الرامية إلى تحسين أطر سياسات المالية العامة والسياسات النقدية وزيادة معدلات التبادل التجاري وتعظيم حجم التدفقات المالية العابرة للحدود وتحسين مناخ الاستثمار وتدعيم جودة المؤسسات.
وأكد أن الحكومة المصرية بكل مؤسساتها لا تألو جهدا في صياغة وتنفيذ الأولويات والتوجهات الاستراتيجية للفترة القادمة مستهدفة في ذلك تحقيق نمو اقتصادي قوي وشامل ومستدام مع التركيز على رفع نسبة مساهمة كل من الاستثمارات والصادرات في هيكل الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 50 في المائة وبما يدعم معدلات التشغيل لتوفير ما يقارب 8 ملايين فرصة عمل خلال الفترة 2024 – 2030.
ومن جهته أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في كلمته عن أمله أن تخرج الاجتماعات بخلاصات تعزز من سبل التعاون والتنسيق بين أعضاء الجمعية العمومية في ضوء التطورات السريعة والمتلاحقة التي يشهدها العالم على كافة الأصعدة وبصفة خاصة الصعيد الاقتصادي.
كما أعرب أبو الغيط عن تقديره لجهود صندوق النقد العربي والدور الحيوي الذي يقوم به باعتباره شريكا هاما للحكومات العربية في تعزيز مسيرة الاستقرار والتطوير الاقتصادي والمالي والنقدي.
وقال إن “العالم بمرحلة دقيقة من التحولات الاقتصادية فبعض مظاهر العولمة تتراجع والاعتماد الزائد على شبكات التوريد ثبت أنه يحتاج لمراجعة والتضخم مشكلة تعاني منها دول كثيرة بما يستلزم إدارة حكيمة لأسعار الفائدة تحافظ على النمو أما مشكلة الديون فقد صارت مجددا أزمة عالمية تحتاج في تقديري إلى علاج شامل”.
وشدد على أنه لا يمكن الفصل بين هذه التحديات الاقتصادية الكبيرة وبين تزايد المخاطر الأمنية في بيئة دولية مضطربة ومتوترة تنذر بعودة الصراعات بين الدول الكبرى بما ينعكس حتما على الآفاق المستقبلية للاقتصاد العالمي.
وتابع “ولا شك أن المصارف المركزية تتحمل مسؤولية كبيرة في إدارة السياسات النقدية في هذه المرحلة المضطربة سياسياً واقتصاديا وتعمل المصارف في بيئة متغيرة، متداخلة المشكلات وتتطور أدواتها باستمرار خاصة فيما يتعلق بالتكنولوجيا المالية وتذبذب الأسواق العالمية وزيادة منسوب انعدام اليقين”.
وعبر أبو الغيط ثقته في قدرة المصارف العربية وفي إمكانياتها وخبرات كادرها البشري على إدارة هذه المرحلة الصعبة بكل ما تفتضيه من يقظة ومرونة في الحركة وقدرة على التكيف والتعامل مع الصدمات الطارئة.
ويشارك بالاجتماعات التي يستضيفها البنك المركزي المصري كل من المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي الدكتور فهد التركي ومحافظ البنك المركزي السعودي رئيس مجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربي أيمن السياري وعدد من محافظي البنوك المركزية العربية ورؤساء المؤسسات المالية العربية والدولية وكبار المسؤون والخبراء المصرفيين وبعض سفراء الدول العربية.
ويتناول الاجتماع العديد من الموضوعات الهامة ذات الأولوية الاقتصادية في الفترة الحالية ويأتي على رأسها إدارة السياسة النقدية في بيئة يكتنفها عدم يقين مرتفع وتواتر للصدمات بالإضافة إلى تداعيات مديونية القطاع الخاص على الاستقرار المالي في الدول العربية ودور المصارف المركزية في التعامل مع قضايا التغير المناخي فضلا عن مناقشة الضوابط التنظيمية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في القطاع المالي.
وتناقش الاجتماعات كذلك نتائج أعمال اللجان الفنية وفرق العمل المتخصصة في المجالات المتعلقة بعمل البنوك المركزية العربية بالإضافة إلى اعتماد التقرير السنوي للاستقرار المالي في الدول العربية والتقرير الاقتصادي العربي الموحد وإقرار الصيغة النهائية للقضايا المقترح إدراجها في الخطاب العربي الموحد الذي يتم إلقاؤه خلال اجتماعات صندوق النقد الدولي سنويا